هذه المدونة خاصة بكتابات المفكر واللغوي والمترجم والأديب العراقي عبد الكريم الناصري

الثلاثاء، 12 يوليو 2016

رسائل مس بيل 1921: هيت التي لاتشبهها بلدة أخرى

ترجمة : عبد الكريم الناصري

هيت
في 3 كانون الثاني 1921
كتبت الى أبيها رسالة استهلتها بقولها أن كبار شيوخ عشائر الدليم، الذين يقيمون خلال الشتاء في الخيام ماعدا واحدا منهم هو (علي السليمان) الذي يقيم في دار له تقع خارج الرمادي قد اعتادوا قضاء الصيف في مساكن صيفية خارج مركز اللواء، وإن الواحد منها يدعى محراب.
وتقول المس بيل أن الواحد من هذه المساكن الشعبية يشبه ان يكون خيمة من طين. إنه غرفة طويلة ضيقة ذات جدران من اللبن جد رقيقة وليس لها نوافذ ولكن ثمة في الحائط الشمالي وفي مستوى رأس المرء إن كان جالسا على الأرض فتحات منتظمة النسق متساوية الفواصل، وكل فتحة منها هي في الواقع فراع لبنة. ومن هذه الفتحات تمر ريح الشمال على الجالس رخية ناعمة وهناك فتحات مربعة في أعلى الحائط يخرج منها الهواء الحار ثم أن الطرق الشرقي من غرفة الرجال يترك مفتوحا وهو ينتهي بديوان ذي حائط واطئ محيطا به ولا سقف له وفيه يجلسون ليلا ، أما غرفة النساء فمغلقة من كل جانب. وهي لذلك تكون أبرد من هذا الديوان نهارا.
وتقول المس بيل بعد ذلك أن بلدة هيت - بما فيها من آبار أو برك للقار - لا تشبهها بلدة أخرى في العراق. ثم تقول مشيرة فيما يبدو الى سفرات لها سابقة مرت فيها بهيت قبل الحرب العالمية الاولى :
آبار القار في هيت
"... ولكن هيت زاخرة بالنسبة لي بذكريات سفرات مرحة، صاخبة بذكريات اشباح تتجول على ظهور الجمال وذلك من قبل ان يتشقق العالم الذي كان عالمي فيمتلئ بالماء ويغرق"
ثم تقول انها تجولت عصرا هي ومن معها في المدينة وقضوا وقتا طويلا يشاهدون أحد آبار القار بعد أن اشعلوا فيه النار.
وهي تصف كيف كان الماء المحمل بالغاز يرتفع حاملا معه أفاع ملتوية من القار الأسود لا تلبث حتى تكون قشرة فوق سطح البركة . وكيف كان ثمة غلامان يسحبان هذه القشرة ببراعة ويلويانها ويكسرانها كما لو كانت قطعة من الحلوى - من التوفي أو الجكليت - ثم يرميانها الى حيث حمار في انتظار حمله. وتقول المس بيل أن هذين الصبيين إنما يقومان بهذا العمل - الذي هو في نفسه جد عسير - بمثل هذه السهولة لأنهما توارثاه ابنا عن أب وأبا عن جد ، منذ خمسة آلاف سنة.
ومن بعد ذلك تقول ان ماوراء هيت أرض لا سلطان لأحد عليها منذ انسحب الانكليز عنها ، وأن العشائر هناك تنهب كل من يجتازها وان مبعوثي مصطفى كمال يجوسون خلال هذه الفوضى.
والرسالة بالجملة مشوبة بمسحة من الحزن والقلق والتوجس.

معلومات عن تاريخ مدينة هيت
صور مدينة هيت
__
* نشرت في الأهالي عدد 646 في 6-2-1961

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق