ترجمة : عبد الكريم الناصري
تعليق: عبد الرزاق الحسني
تحقيق: بثينة الناصري
تعليق: عبد الرزاق الحسني
تحقيق: بثينة الناصري
في 22 كانون
الثاني 1921*
كتبت الى أبيها تقول أن طالب النقيب – وزير
الداخلية – يقوم بمهامه على مايرام وأنه قد قدم الى مجلس الورزاء منذ أيام قائمة
طويلة بأسماء مرشحيه لمناصب المتصرفين والقائمقامين وأن من الضروري جدا تحقيق هذه
التعيينات لأجل ان يشعر الناس بأن هناك حكومة عربية.
وتقول المس بيل بعد هذا أنها سارت في جنازة
المس جونز رئيسة ممرضات الجيش البريطاني في العراق زمن الحرب الأولى وبعد أن تثني
عليها وتشر الى مالقيته من العطف والعناية علىى يديها حين كانت مريضة في البصرة،
ثم بعد أن تذكر أن المس جونز قد شيعت باحتفال عسكري، نفخ خلاله في البوق نداء
اليوم الأخير (1) واطلقت البنادق نيرانها في الهواء ، مضت تقول:
"ولقد تمنيت وأنا أسير وراء العلم
البريطاني الذي كان يجلل تابوتها ان تكون الأفكار التي تجول في أذهان مشيعيي حين
يسيرون وراء تابوتي شبية ولو أبعد الشبه بما كان يجول في خاطري عندئذ عنها".
هذا وقد توفيت الآنسة بيل أثناء نومها قبل
الفجر من يوم الإثنين الموافق 12 تموز سنة 1926، ودفنت في بغداد، بناء على وصيتها
باحتفال عسكري.
+++
وفي التاريخ نفسه كتبت الى ابيها تقول إنها
قد حضرت بعد الغداء سباق الخيل للمرة الثانية ولم يكن في نيتها مشاهدة السباق أكثر
من مرة لولا إلحاح من صديقة لها. وتذكر المس بيل أن المعتمد السامي – برسي كوكس –
ذهب الى مشاهدة السباق منذ الساعة 11 صباحا.
ثم تشير الى إشاعات مفادها أن اعيان السنة في بغداد بدأوا ينظرون فيما إذا كان من
مصلحتهم أن يكون للعراق أمير عثماني.
إن
المس بيل في الواقع لا تفهم موقف الشعب العراقي من الإحتلال البريطاني
شأنها شأن برسي كوكس وسائر البريطانيين (المسؤولين) يومئذ في العراق. إنها حين تتحدث
عن الشيعة او السنة لا تعني سوى عدد ضئيل
جدا من العائلات والأفراد المتنفذين. أما الملايين من أبناء الشعب فما كانوا
ليخطروا لها فيما يبدو ببال.
وتقول المس بيل أن حكومة النقيب تنظر الآن في
ملء عدد من الشواغر الإدارية ، وأن السر
برسي سيتدخل في هذه الترشيحات حين تصل
اليه لأجل الموافقة عليها.
++
وفي 30 كانون الثاني 1921
كتبت الى ابيها تقول أن هذا هو ثامن عيد
ميلاد هي فيه بعيدة عن بلادها. ففي سنة 1913 كانت في شبه الجزيرة العربية ، وفي
1914 كانت في بولون بفرنسا، وفي 1915 كانت في مصر، وفي 1916 كانت في البصرة، وكانت
بعد ذلك حتى تاريخ رسالتها هذه في بغداد.
++
في 7 شباط 1921*
كتبت الى أبيها تقول:
"مررنا بإسبوع عاصف، بسبب الخلافات التي
احتدمت بين اثنين من مستشارنا، حول كيفية البت في مصير الليفي العرب، وهم ضرب من
جندرمة، وقد أهاج المستشاران في هذا الصدد وزيريهما، الى حد أن أصبحت المسألة
مسألة ما إذا كان ساسون أفندي سيستقيل بعد أن أخذ المجلس قرارا عارض فيه رأيه، إذ
وضع القوة المذكورة تحت تصرف وزارة الداخلية بدلا من وزارة الدفاع.
لقد كان هذا القرار قرارا خاطئا فيما أرى.
ولكن لا أهمية لذلك. وإنما المهم أن توضع القوة تحت إشراف وزارة من الوزارات في
الحال، لأننا نريد أن يأخذوا على عاتقهم بدلا منا أمر السيطرة على الفرات الأوسط
حين نسحب قواتنا منه، بعد نحو اسبوعين.
وقد أقر المجلس عددا من التعيينات للناصب
الإدارية ، مناصب متصرفين وقائمقامين وأغلب هذه التعيينات حسن وبعضها ردىء.. إن
السر برسي ينزل عن رأيه حين يصر النقيب عل رأيه هو. والسر برسي مصيب في ذلك تماما
فيما اعتقد – إذ أن علينا ان نقعد ونتفرج بينما يرتكبون هم الأخطاء. إن هذه
التعيينات مصدرها كلها وزارة الداخلية.
++
وفي 13 شباط كتبت الى أبيها تقول:
"امتاز الاسبوع الفائت بعودة نحو عشرين
من الذين كان السر هنري ولسن – وكيل المعتمد السامي- قد نفاهم الى جزيرة هنجام،
وفيهم أحد قادة التحريض والثورة في بغداد. ولكن في اليوم التالي لوصولهم ألقي
القبض على ابن هذا الشخص- كما ألقي القبض على عدد من المحرضين – على حد تعبيرها –
ممن لهم صلة بجريدة (الاستقلال)، صلة
امتلاك لامتيازها او تحرير فيها او ايحاء لها . ثم تقول ان مسألة وقف
الجريدة المذكورة عن الصدور موضوع بحث منذ حين، ولكن السر برسي – المعتمد السامي-
كان يرى ان يجىء الإجراء من جانب وزارة الداخلية ، ولقد اتخذ هذا الاجراء ."
ثم تقول المس بيل أن الحكومة – حكومة النقيب –
لا سيطرة لها على الألوية ولكنها بدأت
توطد نفوذها فيها.
وتشير المس بيل بعد هذا الى مسألة الانتدابات التي كانت تنظر فيها – عصبة الامم –
وتقول إن من رأيها أن تعلن العصبة هذذه الانتدابات وشروطها وان تعلن الحكومة
البريطانية بعد اعلانها، رفض قبول انتدابها (2) على العراق ومن شأن هذا الرفض ان
يثير ضجة في العراق ويحدو بالعراقيين الى المطالبة بالانتداب!
وقد قبل أحد الشيعة (3) أخيرا منصب وزير المعارف
الذي استحث النقيب على عرضه عليه.
تقول المس بيل:
"مسألة ملتهبة هي مسألة العفو العام. وأنا ارى أن وقت المضي في هذا
الأمر قد حان أو أوشك. إن السلطات العسكرية ستعارض فيه معارضة مريرة. إني اريد ان
يكون لنا فخر البدء في هذا الإجراء واتخاذ الخطوات في سبيله، لا أن نظهر بمظهر
الراضخ لضغط العرب. إننا لا نقوم بالأمور في حينها. إن السر برسي عازم عزما صارما
على أن يفعل مايراه صوابا مهما كان عدد الذين سيحتجون من رجال الجيش لأنه – كما
يقول وهو مصيب – إنه هو المسؤول"
ثم تقول المس بيل:
"والحدث الثاني في الإسبوع الفائت – الى
جنب تعطيل جريدة الاستقلال – هو وصول مبعوث من ابن سعود – إن هذا المبعوث وهو أحمد
ثنيان هو من اقارب الإمام – تعني ابن سعود، وقد كان مع ابنه فيصل في انكلترة سنة
1919 وقد نشأ في القسطنطينية ، بل إنه ليشدوشيئا من الفرنسية . وهو اليوم رجل رقيق
مريض ، في نحو الثلاثين من عمره، ذو وجه نجدي مستطيل وسيم، ناطق بالذكاء، هذا الى
ان المرض قد زاده وسامة. وقد كان معه طبيب ابن سعود – عبد الله بن سعود – وهو رجل
موصلي الأصل تعلم في القسطنطينة . وقد جاء الرجلان لأجل المباحثة في القضية التي
لا تنتهي – قضية نزاع ابن سعود مع الشريف حسين – هذه القضية التي لاحل لهافيما أرى
وإنما شأنها أن تعلق فقط، ولقد كان ضيفي على العشاء هذه الليلة . وكانت مأدبة
العشاء هذه أجمل وأغرب مأدبة أقمتها في حياتي. لقد كان هناك بالإضافة الى النجديين
المذكورين : الميجر ايدي والسيد محي الدين والسيد شكري الألوسي. والأخير عالم شيخ
يشتمل على المعارف كلها كما يفهمها المسلمون وهو يدرس الحيليات – اي علم الميكانيك
– مستعملا في تدريسه الحديث النبوي مصدرا له، ويدرس العلوم الاخرى على هذا النحو
نفسه. ثم انه وهو (الوهابي) المخلص لمذهبه – لايشرب (4) ولا يدخن وهو بعد المسلم
المعروف الوحيد الذي لم يتزوج. لقد وجد في أواسط الجزيرة العربية في بلاد
الوهابيين، أحلامه وإنه لينظر اليها على أنها لامنبع الحق لكل إلهام وعلم.
وهو ما أن دخل ورأى أحمد ثنيان حتى عانقه
بينما ذهب هذا يفتش في ثيابه الشمرية المطرزة الجميلة ثم أبرز منها رسالة من ابن
سعود الى شكري.
وتتويجا لما اتسم به الاجتماع من
الود الخالص اكتشف محي الدين في شكري انه من معارفه في القسطنطينة، وهكذا
بدأت المعانقات من جديد.."
وبعد هذا تصف الآنسة بيل حديث ضيوفها وهو
يتضمن اعجاب السيد شكري بالوهابية ، ثم تختمه بقولها أنها همست في أذن محي الدين
بعد خروج الضيوف جميعا ماعداه:" مع هذا فإني لن أنضم الى (الإخوان) "
فأجابها هامسا :"ولاأنا".
---------
* نشرت في (الاهالي) عدد 646 في 6-2-1961
(1) هذا اصطلاح عسكري بريطاني وهو ان ينفخ في
البوق قبيل ساعة النوم – في الثكنة مثلا- نداء اول الى النوم ثم يطلق النداء
الثاني والاخير - المترجم.
* نشرت ترجمة هذه الرسالة والرسالة التالية
لها في (الاهالي) عدد 648 في 8-2-1961
(2) فرض مجلس الحلفاء المنعقد في سان ريمو في
25 نيسان 1920 الانتداب البريطاني على العراق وعلى فلسطين. والانتداب الفرنسي على
سورية ولبنان وكان من جملة مسوغات الثورة العراقية الكبرى في 30 حزيران من هذا
العام مقاومة الانتداب البريطاني الذي فرض على العراق.
نعم شرعت عصبة الامم في تدقيق انظمة الانتداب
البريطاني والانتداب الفرنسي في مفتتح عام 1921 ، فقامت الضجة في العراق على اساس
ان الشعب العراقي يرفض الانتداب ويريد استقلالا تاما لا اساس لكل هيمنة انتدابية عليه.
هذا من جه ومن جهة اخرى فإن الملك فيصل لما
استدعي الى لندن وافهم بفرض الانتداب على العراق وان عليه ان يؤلف دولة عربية تحت
الانتداب البريطاني وافق على ذلك، وعلى ان تعقد بين العراق وبريطانية معاهدة تصاغ
فيها بنود الانتداب دون ان يذكر لفظة الانتداب فيها – الحسني.
(3) هو محمد مهدي آل بحر العلوم – المحققة.
(4) ليس في علمنا ان السيد شكري الألوسي كان
وهابيا. إن من نسميهم وهابيين هم حنابلة. وعلى كل حال فما معنى قول المس بيل أنه
لكونه كان وهابيا كان لايشرب ولا يدخن؟ هل السكر مباح للمسلمين من غير الوهابيين؟
- المترجم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق