ترجمة : عبد الكريم الناصري
تعليق: عبد الرزاق الحسني
"لم يحدث في هذا الإسبوع حدث ذو بال نسبيا. لقد اجتمعت الوزارة للمرة الأولى يوم الثلاثاء، ولكنها لم تصنع شيئا كثيرا غير انها تباحثت فيما يمكن ان تكون عليه الصلة بين الوزراء ومستشاريهم البريطانيين، وقررت في النهاية استيضاح السر برسي عن هذه المسألة.
وقد باحث السر برسي النقيب في الموضوع كله بكثير من العناية على أساس مذكرة ممتازة كان وضعها المستر فلبي والذي اعتقده انه سيجتمع بالوزارة غدا.
ومن بعد اجتماع مجلس الوزراء المقدم ذكره ارسل النقيب في طلب فهد بك. فلما حضر سأله عما إذا كان على استعداد لنقل رسالة من الوزارة الى العشائر الثائرة.. فما كان من فهد بك إلا أن جاءني على جناح السرعة وقال لي :
- خاتون .. أنا اعرف لج وكوكس (1) اعرف له، بس هل حكومات العربية ما اعرف شي عنها .. وانا مراح انطي النقيب جواب – كبل ما اعرف – كوكس موافك لو لا.
ثم تقول المس بيل:" لا يزال الشيعة على موقفهم العدائي وشكواهم الرئيسة ان الوزارة لاتضم منهم وزيرا – ذا وزارة – واعتقد ان تغييرا وزاريا سيحصل بغية ادخال واحد منهم في المجلس كوزير ذي وزارة. (2)
وهناك ايضا حزب موال للترك وأغلب اعضائه من الضباط والموظفين السابقين في العهد التركي وهؤلاء لايريدون إقامة حكومة عربية، ويصرحون بأنهم لن يعملوا فيها لأن الترك عائدون لامحالة".
ثم تقول أن تسليم الإدارة الحكومية من يد الى يد أخرى لا يمكن ان يتم في طرفة عين .. وبعد ذلك تتحدث عن أمور غير مهمة.
وهذه الأميرة هي ابنة ناصر الدين شاه. وقد قدمت الى الكاظمين في "زيارة" واستأجرت دارا صغيرة فيها .. وقد وجدتها المس بيل مضطجعة في فراش مبسوط في أرض الغرفة وقد اتكأت على وسائد وتغطت بلحاف. وكانت متلفعة بالسواد إلا من يديها وبعض وجهها الجميل التقاطيع. وكان ثمة في الغرفة المفروشة بالبساط والمسدلة فيها لاستائر دفعا للبرد، قفص فيه ببغاء، و"منقلة" فيها فحم متقد..
هوامش:
(*) نشرت الترجمة في (الاهالي) عدد 642 في
1-2-1961
تعليق: عبد الرزاق الحسني
![]() |
صورة مرسومة لمس بيل |
في 7 تشرين الثاني 1920
كتبت الى أبيها الرسالة التالية:"لم يحدث في هذا الإسبوع حدث ذو بال نسبيا. لقد اجتمعت الوزارة للمرة الأولى يوم الثلاثاء، ولكنها لم تصنع شيئا كثيرا غير انها تباحثت فيما يمكن ان تكون عليه الصلة بين الوزراء ومستشاريهم البريطانيين، وقررت في النهاية استيضاح السر برسي عن هذه المسألة.
وقد باحث السر برسي النقيب في الموضوع كله بكثير من العناية على أساس مذكرة ممتازة كان وضعها المستر فلبي والذي اعتقده انه سيجتمع بالوزارة غدا.
ومن بعد اجتماع مجلس الوزراء المقدم ذكره ارسل النقيب في طلب فهد بك. فلما حضر سأله عما إذا كان على استعداد لنقل رسالة من الوزارة الى العشائر الثائرة.. فما كان من فهد بك إلا أن جاءني على جناح السرعة وقال لي :
- خاتون .. أنا اعرف لج وكوكس (1) اعرف له، بس هل حكومات العربية ما اعرف شي عنها .. وانا مراح انطي النقيب جواب – كبل ما اعرف – كوكس موافك لو لا.
فطلبت المستر فلبي ذهبنا معا نطمئنه فقال:
- ياخاتون ، يافلبي .. وراسكم كولوا: كوكس راح
يوافق؟
وقال
لي انه لم يستطع النوم، خوفا من ان يفعل
شيئا يخالف سياسة كوكس – بفتح الكاف الثاني – فلم يسعني إلا أن اشعر بأن لا خوف من
أن يضعف نفوذ كوكس – بفتح الكاف الثانية – مادام عندنا حلفاء في مثل ولاء فهد"
ثم تقول المس بيل أن وزارة النقيب كان ضدها،
بالاضافة الى الموالين للاتراك – جميع زعماء الشيعة تقريبا، أما أولا فأنهم كانوا
يعتبرونها صنيعة للإنكليز وأما ثانيا فلأن عدد الشيعة فيها أقل جدا من عدد السنة.
وبعد أن تقول أنها واثقة بأن السبيل الذي اختار السر برسي المضي فيه، هو خير
الطرق الممكنة، وإن كان لايرضي إلا قليلا من العراقيين ويؤدي أيضا الى السلام
الفوري، تمضي فتقول:
"إن علينا أن نشرع في انتخابات جمعية
وطنية حالما يتسنى لنا ذلك وسأكون مخطئة جدا – وأنا على كل حال كثيرا ما أخطيء – إن
لم يطلبوا تنصيب أحد أبناء الشريف أميرا عليهم. إن ذلك في نظري هو الحل الوحيد؟"
++
في 14 تشرين الثاني 1920
كتبت إلى أبيها تعلمه بأن الوزارة قد قبلت
بمشروع السر برسي كوكس الخاص بالعلاقات التي يجب أن تقوم بين الوزراء ومستشاريهم
من غير تغيير شيء فيه. وقد وضع المشروع المستر فلبي.. وتقول المس بيل في رسالتها
ان وزارة الداخلية ستنتقل في اليوم التالي الى السراي الذي كان مقرا للإدارة
التركية ثم تذكر أن دوائر السراي كانت اتخذت في السنة السابقة مساكن للضباط
الانكليز وزوجاتهم، ولولا وزارة الحرب البريطانية قد أمرت زوجات الضباط بالعودة الى
بلادهن لما أمكن استعادة السراي مقر
الدوائر الحكومية وهو ماكان يطالب به الاهلون وقد كان اتخاذ السراي مقرا للوزارة –
بعد – هو الطريقة الوحيدة – على رأي المس بيل – لإشعار الناس بأن لديهم حكومة عربية
.ثم تقول المس بيل:" لا يزال الشيعة على موقفهم العدائي وشكواهم الرئيسة ان الوزارة لاتضم منهم وزيرا – ذا وزارة – واعتقد ان تغييرا وزاريا سيحصل بغية ادخال واحد منهم في المجلس كوزير ذي وزارة. (2)
وهناك ايضا حزب موال للترك وأغلب اعضائه من الضباط والموظفين السابقين في العهد التركي وهؤلاء لايريدون إقامة حكومة عربية، ويصرحون بأنهم لن يعملوا فيها لأن الترك عائدون لامحالة".
وتقول المس بيل بعد ذلك أنها بدأت بتنظيم دائرتها كسكرتيرة
شرقية للمعتمد – او المندوب – السامي وأنها ستفرغ خلال الاسبوع من اول تقرير من
تقاريرها التي تعدها لمصلحة الاستخبارات البريطانية مرة في كل اسبوعين.
في 29 تشرين الثاني 1920
كتبت الى أبيها تقول ان ثورة العشائر تعرقل
جدا سياق تسليم الادارة للحكومة العربية ثم تقول ان السر برسي كوكس قد قرر اخضاع
العشائر الثائرة بالقوة ، وإرغامهاعلى تسليم اسلحتها وتعليق إعلانه العفو العام
على استسلامها وتقول ان العشائر قد طلبت مرارا أن تجري المفاوضات عن طريق المجتهد
الأكبر الذي ستضع السلاح بأمر منه. ولكن برسي كوكس رفض توسيط المجتهد لأنه لايريد
ان يعترف لعلماء الدين بسلطان سياسي (3).زوالمس بيل تمتدح هذه الخطة وتقول ان
المعتمد السامي ينفذها بكثير من البراعة والكياسة وأن اجوبته على رسائل العلماء
لايحسن كتابة مثلها أحد سواه.ثم تقول أن تسليم الإدارة الحكومية من يد الى يد أخرى لا يمكن ان يتم في طرفة عين .. وبعد ذلك تتحدث عن أمور غير مهمة.
وفي 4 كانون الأول 1920
كتبت الى ابيها رسالة قصيرة وصفت فيها زيارة
قامت بها أميرة ايرانية عجوز من الأسرة القاجارية – وهي الاسرة التي حكمت ايران
قبل الاسرة المالكة الحالية.وهذه الأميرة هي ابنة ناصر الدين شاه. وقد قدمت الى الكاظمين في "زيارة" واستأجرت دارا صغيرة فيها .. وقد وجدتها المس بيل مضطجعة في فراش مبسوط في أرض الغرفة وقد اتكأت على وسائد وتغطت بلحاف. وكانت متلفعة بالسواد إلا من يديها وبعض وجهها الجميل التقاطيع. وكان ثمة في الغرفة المفروشة بالبساط والمسدلة فيها لاستائر دفعا للبرد، قفص فيه ببغاء، و"منقلة" فيها فحم متقد..
وتقول المس بيل أن الاميرات القاجاريات قد
اعتدن "زيارة " الكاظمية بين الوقت والوقت.
![]() |
اميرة قاجارية في وصفها انها ابنة ناصر الدين شاه فلعلها هي في شبابها |
(1) يلفظ كوكس بتسكين الكاف الثانية ، ولكن
شيخ مشايخ عنزة يلفظه – كمعظم العراقيين يومئذ – بفتحها . المترجم.
(2) لم يكن النبي محمد (صلعم) شيعيا أو سنيا
في أيامه الغر ولم تكن المذاهب الإسلامية المختلفة معروفة في تلك الايام المحجلة
وقد ظهرت البراعم بعد وفاته (صلعم) وعملت العوامل الفارسية والتركية على تغذيتها
وتعميقها . ولكن المسلمين كانوا – ومازالوا –يظهرون كتلة واحدة أمام اية زلة تحل
بهم.
ولما شعر المسلمون في العراق بثقل الاحتلال
البريطاني وحدوا صفوفهم وتناسوا خلافاتهم المذهبية وظهروا كتلة متراصة امام
الاجنبي الغاصب. فلما وصل السر برسي كوكس الى العراق في 11 تشرين الاول 1920 واقنع
النقيب السيد عبد الرحمن بتأليف حكومة مؤقتة تهتدي بهديه وتسير تحت ارشاده وطبق
تعلمياته، لم يستطع إشراك العناصر الوطنية في هذه الوزارة سواء كانت هذه العناصر
شيعية المذهب او سنية وإنما بعض من أحسن الظن فيه، وعلى هذا لا يصح الإدعاء بأن
الشيعيين لم يكونوا راضين عن هذه التشكيلة الوزارية لأنه ليس فيها من الوزراء
الشعيين مايساوي نسبة نفوسهم الى سكان العراق – الحسني.
(3) لما أتم الانكليز احتلالهم للعراق تفننوا
في استمالة رجال الدين الى جانبهم بمختلف الطرق فمنهم من لقي استجابة لهذا التفنن
ومنهم من ترفع عن ذلك ، وكان الموالون من الطبقة التي لايعترف الناس لها بأية
فضيلة وقد سمي هؤلاء "علماء الحفيز" اي "علماء الاوفيس office"
ولم يكونوا موضع الاحترام والتقديس. اما الذين ترفعوا عن الاستجابة لمحاولات
السلطة . فهم رجال الدين الذين تنقاد لهم ولفتاواهم جماهير الناس في الفتاوي
والاجتهاد والذين يقودون الشعب ، وقد سعت السلطة بمختلف الطرق الى التفاهم معهم
دون ان تحصل على اية نتيجة. تدلنا على ذلك
المراسلات التي بدأها السر ولسن الحاكم الملكي العام مع شيخ الشريعة الذي ورث
الزعامة الدينية بعد وفاة زعيم الثورة العراقية الشيخ محمد تقي الحائري لعقد
المصالحة بين السلطة والثوار والتي تقدمتها مراسلات بينه وبين زعيم الثورة الروحي،
فلما اصطدمت السلطة بصلابة علماء الدين الحقيقيين صارت تتظاهر بالترفع عن قبول
وساطاتهم الوهمية – الحسني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق