
ترجمة: عبدالكريم الناصري
مراجعة تاريخية : المؤرخ عبد الرزاق الحسني
تحقيق: بثينة الناصري
ملاحظة: في 1972 حين فكرت - بعد وفاة أبي بعدة سنوات - في جمع ترجماته لرسائل مس بيل لنشرها في كتاب منفصل، كنت قد طلبت من المؤرخ المعروف عبد الرزاق الحسني إضافة تعليقاته على الأحداث التاريخية ، فتفضل مشكورا بذلك، وكان في بعض تعليقاته مناقضا لأبي ومناقضا لمس بيل ، مصححا هنا ، مضيفا هناك. وكنت بصفتي (المحققة) ادلو بدلوي ، فكان عصف أفكار جميل. وسترون نموذجا منه هنا في هذه الرسائل المتبادلة بين مس بيل وأبيها. ولعل هذه الرسائل تكشف تماثلا بين الاحتلال البريطاني والاحتلال الامريكي في 2003 وحالة العشائر والعراقيين بشكل عام عندئذ والآن بين ثائر ومتعاون وجالس على التل.
2 آب 1920
في أثناء ثورة العشرين، يوم كان بعض الانكليز يرون ضرورة جلاء القوات الإنكليزية عن العراق تخلصا من تكاليف الإحتلال الفادحة (1)
كتبت المس بيل الى أبيها تقول:
"رأيي في المسألة هو بالإ يجاز هذا: مهما تكن سياستنا المقبلة فإننا لا نستطيع ان نغادر البلاد في حالة الفوضى التي خلقناها، إن أحدا سوانا لايستطيع ان يسيطر على هذه الحالة ان لم نستطع نحن. إننا إذا قررنا الإنسحاب في الحال وجب أن نرسل فرقتين على الأقل من الهند لتساعدا قواتنا وموظفينا على الخروج من هنا (2)
بيد أن من الممكن استخدام هاتين الفرقتين او اقل منهما في إعادة البلاد الى النظام وحين يحدث ذلك يمكن أن نبدأ في الكلام والتفاوض.."
وتشير الآنسة بيل، بعد ذلك الى حضورها عرض مسرحية وطنية قام بتمثيلها جماعة من الشبان الوطنيين . وتذكر كيف كان الحاضرون يصفقون كلما وردت كلمة (الاستقلال) أثناء التمثيل. وكيف انها التقت في الحفلة بأشد أعداء الإنكليز فصافحتهم بروح ودية، وعلى حين همس في أذنها أحد "الجالسين على التل" قائلا:" متى بحق السماء تخلصونا من إرهاب العشائر؟"
ثم تقول :
"الموقف غامض لايقين فيه. حادثة أخرى كتلك
التي حدثت أخيرا قد تجيء بالعشائر الى مادون بغداد مباشرة. إننا نعيش من اليد الى الفم،
إني ادرك ذلك. إن الوضع خطير وقد يزداد خطورة وتفاقما عند حدوث أي ميل قليل في الميزان".+++
في 8 آب 1920 كتبت
الى أبيها تقول:
"...
الموقف السياسي يتحسن
والوضع العسكري يزداد استقرارا بوصول قوات جديدة من الهند.(3). عشائر الفرات لا تزال
في كامل ثورتها. ولكنها قد القت أخيرا ضربة أو ضربتين شديدتين ويقال انها قد تعبت قليلا
من "الجهاد".
في 16 آب 1920 كتبت
الى أبيها تقول أنها تكتب له عند الفجر انها ستذهب في السابعة والنصف الى إحدى الكنائس
المحلية حيث ستجري حفلة لتوزيع الجوائز. واليوم الذي تكتب فيه هو يوم الإثنين. وتقول
المس بيل أن يوم الأحد هو اليوم الذي تخصصه عادة لكتابة رسائلها اليه، ولكنها كانت
في اليوم السابق مشغولة جدا بكتابة خلاصة عن مجرى الثورة – التي كانت مشتعلة عندئذ-
كان قد طلبها منها السر ارنولد ولسن وكيل المعتمد السامي في العراق (4)
وتقول بيل أن من
الصعب جدا تدوين التاريخ من مثل هذه المسافة القريبة.
وفي ذلك الوقت تألفت
– باقتراح من أحد رجال الانتداب – لجنة من نواب العراق السابقين في مجلس المبعوثين
العثماني – لدراسة موضوع تشكيل الجمعية التأسيسية والموضوعات المتصلة بها وتقول المس
بيل في رسالتها أن هذه اللجنة قد اختارت من
بين أعضائها اربعة من – المتطرفين – ولكنهم رفضوا الانضمام اليها. ثم أن الشرطة قد أبلغت السلطات في ذلك الوقت نفسه بأن
اجتماعا خطيرا سيقع في "الجامع الكبير" – ولعلها تعني جامع الحيدرخانة –
في يوم الخميس السابق لتاريخ الرسالة، وأن مسيرة في شوارع بغداد ستتلوه. وهنا تقول:"ومما لا ريب فيه أن هذا كان خليقا أن يؤدي الى اضطرابات وكان هذا هو الغرض المنشود. وذلك أن المتطرفين كانوا رأوا الأرض تنزاح من تحت أرجلهم ، عن طريق تأليف حزب دستوري معتدل من النواب السابقين، فلم تبق ورقة يلعبون بها غير اللجوء الى الغوغاء. ولهذا أمِرت الشرطة (5) بالقبض عى الزعماء الأربعة (6). والذي أعتقده أن الشرطة لم تحسن القيام بمهمتها إذ هي لم تقبض إلا على واحد منهم، أما الآخرون فقد فروا الى الكاظمية وهم الآن فيما علمت في النجف. قد أصدِرَتْ بعد ذلك الأوامر الموجبة لعدم عقد الاجتماعات في الجوامع كما أصدر أمر بمنع التجول بعد الساعة العاشرة مساء. وقد كان الأثر المشترك لهذه الأوامر ممتازا، بمقدار مايتصل الأمر ببغداد. فقد عادت المدينة الى حياتها العادية الطبيعية. ولا أعتقد أن هناك من لم يتنفس الصعداء. وقد تساءل كثير من الناس لماذا لم نقم بمثل هذا الإجراء من قبل، ولكني أعتقد أن السر أرنولد ولسن (7) قد تصرف بحكمة عظيمة في هذه المسألة. فقد انتظر حتى أصبح واضحا انه لو سمح للهيجان بالاستمرار، إذن لأسلمت المدينة الى القائمين بأعمال الشغب."
ثم تشير المس بيل
الى مقتل الكولونيل لجمن الشهيرفتقول:
"أسوأ خبر من
أخبارنا هو أن الكولونيل لجمن قد نصب له كمين، وقتل فيه، وهو في طريقه من بغداد الى
الرمادي. لقد كان مسيطرا على الفرات بمفرده بواسطة العشائر، بعد أن سحبت من هناك جميع
القوات. ونحن لا نعلم ماذا سيحدث في تلك المناطق مستقبلا" (8)
++
* نشرت ترجمتها
في (الأهالي) عدد 629 في 17-1-1961
_______________________
هوامش
(1) في 7 تشرين
الثاني 1922 قال بونارلو "ليتنا لم نذهب هناك قط" ويقصد العراق، وهو
بذلك قد عبر- فيما يقال – عن شعور معظم الانكليز. ووصف السر برسفال فلبس – الذي كان
المراسل الخاص للديلي ميل في العراق – البلاد بأنها عبء ثقيل معلق برقبة دافع
الضرائب الانكليزي. وقد اقترح – بعد دراسة كاملة – ان تنسحب القوات البريطانية من
كل انحاء العراق ماعدا البصرة فهي منطقة حيوية وحساسة كما انها لا تكلف كثيرا –
بثينة الناصري
(2) الفعل الذي
تستعمله صاحبة الرسالة – to extricate- يفيد
التخلص من مأزق أو ورطة. المترجم
(3) هذا تفاؤل في غير محله بدليل أن الكولونيل لجمن قتل في ان النقطة يوم
12 آب أي بعد اربعة ايام من تحرير هذا الخطاب، ثم انضمت قبائل اللواء للثورة بعد مقتله – الحسني
(4) عنوان وظيفته الرسمي يومئذ – وكيل المفوض المدني – المترجم
(6) الفعل (امرت) بضم الهمزة وفتح الراء – المترجم
(7) في 28 تشرين الأول 1913 تألفت جمعية سرية في الاستانة سميت "جمعية
العهد" غايتها توحيد صفوف العرب وجمع كلمتهم وقد توقف نشاطها إثر اندلاع نار الحرب العالمية الأولى فلما انتهت
الحرب انقسمت هذه الجمعية الى فرعين أولهما سوري والآخر عراقي – وإلى جانب جمعية
العهد العراقي – تألفت في بغداد في نهاية شباط 1919 جمعية سرية باسم "حرس
الاستقلال" ارتأت أن تؤسس مدرسة أهلية لستر نشاطها السياسي فتأسست المدرسة
الاهلية المعروفة اليوم بمدرسة التفيض ذلك في منتصف ايلول 1919. وهكذا أخذ الوطنيون يتعاونون على خدمة القضية الوطنية ومن ذلك إقامة مواليد
اسبوعية في المساجد السنية والشيعية تتلى فيها المنقبة النبوية ويعرج منها على
شهادة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام مما أثر تأثيرا عظيما في النفوس. وفي ليلة 6 رمضان ، أقيمت حفلة المولود في جامع الحيدرخانة وتليت فيها
قصيدة حماسية ألقاها السيد عيسى عبد القادر احد موظفي الأوقاف فقبضت عليه السلطة و
أبعدته الى البصرة ، فسبب هذا التحدي لشعور الناس هياجا تطور الى مضايقات كثيرة
اضطرت السلطة أن تأمر بالقبض على كل من السادة: يوسف السويدي وجعفر أبو التمن
والشيخ أحمد الداود وعلي البزركان ، فلم يقع في يدها غير الثالث وهو الشيخ أحمد
فأبعد في 12 آب 1920 وفر الباقون الى المنطقة الثائرة – الحسني.
(7) تدعوه في رسائلها (أ-ت) إنه السر أرنولد ت. ولسن – المترجم
(8) (أوجس الحكام السياسيون البريطانيون في المدن والقصبات العراقية خيفة من رؤساء القبائل إثر
اندلاع نار الثورة في الرميثة يوم 30 حزيران 1920 فأخذوا يتصلون بهؤلاء الرؤساء
لحملهم على عدم التورط في القتال الناشب بين قواتهم وبين أقراد القبائل.
وفي الثاني عشر من آب 1920 دعي الكولونيل لجمن الحاكم السياسي للواء الدليم
شيخ ضاري الشيخ محمود رئيس قبيلة زوبع الى الاجتماع به في خان النقطة بين الفلوجة
وبغداد وبينما هما يتجاذبان الحديث سمع لجمن أن احدى السيارات قد سلبت في الطريق
المذكور فأسمع ضاري كلمات أبت شهامته العربية ان تتحملها فأوعز الى ولده سلمان
والى ابني عمه صكب ومصعب فوجه كل منهم نار بندقيته على الكولونيل وأردوه قتيلا
وفروا الى المناطق الثائرة بعد ان رفض الشيخ علي السلمان رئيس الدليم اقامتهم
بالقرب منه وبعد أن حاول الشيخ فهد الهذال رئيس عنزة تسليمهم الى السلطات
البريطانية، فإدعاء المس بيل بأن كمينا نصب للكولونيل لجمن ولقي حتفه فيه يناهض
هذه الحقيقة التاريخية المعروفة – الحسني.)
ملاحظة من المحققة: إلا أن ل.ن. كوتلوف في كتابه "ثورة العشرين"
ترجمة الدكتور عبد الواحد كرم، والذي صدر ضمن سلسلة الكتب المترجمة يذكر في ص 200
مايلي "فبينما كان المقدم لجمن الضابط السياسي في منطقة الفرات الأعلى يجتمع
بالشيخ ضاري المحمود رئيس قبيلة الزوبع قامت جماعة من افراد القبيلة بمهاجمة
الوحدات البريطانية، ثم التحق بهم الشيخ مع حرسه، وقد قتل ليجمان في المعركة من
قبل (خميس ابن الشيخ ضاري) – وأنا ارجح رواية مس بيل وكوتلوف، لأن بيل كانت تكتب رسائل
خاصة لأبيها الذي تعزه وتجله فليس من المتوقع أن تكذب عليه في مثل هذه المسألة.
كما لاننسى ان الحوادث التاريخية لها اكثر من رواية حسبما تلاقي هوى وأغراض راويها،
ومن ناحية لا أعتقد أن شيخ زوبع وهو يتحلى بأخلاق العشائر يقبل استضافة لجمن له
(وهو محتل بلاده) ثم يقتل مضيفه في بيته لمجرد غضبه من كلمة- بثينة الناصري
++رسائل مس بيل هنا أيضا
1- وهل هناك مس بيل امريكية جاءت مع بريمر
ردحذف2- الاحتلال البريطاني انقذ العراقيين من حكم العثمانيين فلماذا توحدوا ضد البريطانيين بينما انقسموا في الاحتلال الامريكي ؟