رسائل المس جرترود بيل
ترجمة عبد الكريم الناصري
تعليق: المؤرخ عبد الرزاق الحسني
جمع وتحقيق: بثينة الناصري
ثم تشير الى حفلة شاي أقيمت في دار اسرة العكيل هي اسرة عراقية معروفة ، نجدية الاصل، وقد دعيت إليها هي والكابتن كليتن. وتقول المس بيل أن هذه العائلة من أواسط شبه الجزيرة العربية وإن افرادها يعتبرون أنفسهم من رعايا ابن سعود، وإنهم تجار وأدلة للقوافل وإن واحدا منهم كان دليلها حين ذهبت الى حائل بنجد منذ سنين.
جرى لي حديث طويل مع ساسون أفندي (2) فقد زرت
منذ أيام اخت زوجته فوجدت جميع الرجال هناك شديدي الرغبة في الكلام وقد قال ساسون
أفندي أنه لن يكون أي من الشخصيات المحلية
مقبولا كرئيس للدولة، لأن كل شخصية محلية أخرى ستحسدها.
ثم ذهب يلقي بمقترحات مختلفة على سبيل جس النبض. مثال ذلك أن يكون رئيس الدولة أحد أبناء شريف مكة؟ أو أحد أعضاء اسرة سلطان مصرإن كان فيهم من يصلح للمنصب؟ أو أحد أعضاء أسرة سلطان تركيا؟ فقلت اني من جهتي واثقة بأن السر برسي لايهمه من يختاره العراقيون إلا أن يكون من الأسرة المالكة التركية فذلك غير ممكن في نظري. إنه يجب ان يكون أميرا عربيا. ثم إنهم سيوافقون على أي شخص يعتقدون إننا نسنده، ثم يدسون عليه الدسائس بلا انقطاع. إن هذا الخط من الحقل ليس بالسهل فلاحته. إن هذه التأملات حقيقة أن تلقي ضوءا على ماتقوله الصحف الإنكليزية التي يبدو منها إنه ما على السر برسي إلا أن يقول: هلم ... وإذا بحكومة عربية تثب الى المسرح وإذا – أثينة- أخرى تخرج من جبهة (زيوس) (3).
ووصل السر برسي في الساعة 11، عند محطة غربي
بغداد، وحين وصلنا الى المحطة في نحو الساعة الرابعة والنصف – وكان موعد وصول
القطار في الخامسة والنصف –وجدنا ضربا من غرفة استقبال مفروشة بالسجاد ومرفوعة
فيها الأعلام وفيها السياج الحاجز . وكان هناك القائد العام للقوات المسلحة مع هيئة أركانه ورؤساء الدوائر وموظفو مقر السر برسي وقد اطلقت المدافع
على سبيل التحية سبع عشرة طلقة ولما كانت
الريح ضدنا لم نسمع بالقطار يقترب ولذلك فوجنا بنبأ اقترابه فاتخذنا
مواضعنا على عجل، فعلى اليمين وقف السر إدغار مع رؤساء الدوائر وأنا فيهم ، والى
اليسار وقف القائد العام مع هيئة أركانه والسيد طالب النقيب، والنواب (5) وأمين
العاصمة وواحد أو اثنين من الأعيان، ذوي النفوذ كالإبن الأكبر للسيد عبد الرحمن
النقيب. وكان هناك خارج المكان الذي كنا فيه ضباط بريطانيون ومعهم زوجاتهم وجمع من
الناس لم استطع تمييزهم. وكان الوقت مقاربا للمغرب و حين وصل القطار فتقدم القائد
العام لتحية السر برسي. وقد خرج السر برسي من القطار مرتديا بزة بيضاء وبعد أن
صافح القائد العام وقف للتحية بينما عزفت الفرقة نشيد – حفظ الله الملك – وقد وقع
في نفسي إذ هو واقف هناك ببزته البيضاء المحلاة بالذهب وعليه سمت الوقار الجميل
البسيط ، أنه لم يتفق قد أن حدث مقدم أعظم من هذا خطرا، ولا استقرت على امرىء من الناس قبل السر برسي عواطف وآمال وشكوك
ومخاوف أشد اصطراعا، أو وضع في امرى ثقة بالنزاهة والحكمة كالثقة التي وضعت فيه.
وحين دخل مكاننا المسيج قدمني السر إدغار
اليه بينما ثنيت ركبتي له.. وذلك كل ما استطعت أن أفعله في سبيل ألا أبكي..
وإذا رفض النقيب سد هذه الثلمة فليس من تدبير
آخر سوى أن يقدم السر برسي نفسه بدعوة وتعيين أعضاء الوزارة المؤقتة. إن المعتدلين
أنفسهم أخذوا يذهبون هذا المذهب. لقد اقترحه عليّ فخري الجميل صباح هذا اليوم
ومالي من حاجة إلى ان اقول أني استقبلت الفكرة بأعظم الدهشة والاحترام. ذلك اني
أريد ان يجيء كل شيء منهم لا منا. لكنهم إذا اقترحوا هذا المشروع على السر برسي فأي دليل رائع سيكون على صحة شعاري
الأثير عندي وهو إننا إذا القينا المسؤولية عليهم فسيجيئون إلينا يطلبون العون.
والغرض من الوزارة المراد تأليفها لايزيد على أن تقوم بالإعداد للانتخابات العامة الأولى ثم إجرائها فحالما يتم ذلك تقوم الهيئة المنتخبة باختيار ممثليها الرسميين وتختفي الحكومة المؤقتة. ومن الواضح ان من غير الممكن – ونحو ثلث البلاد في ثورة علنية – إجراء انتخابات عامة . بيد أنه من الواضح أيضا – على مايرى السر برسي – أن من غير الممكن تأخير إقامة شكل من أشكال المؤسسات الأهلية.
إنهم جميعا يتوقعون منه أن يصنع شيئا ما في الحال، وهو إن لم يفعل أضعنا الفرصة الذهبية، وتزلزلت ثقة القوم بنا.
لقد مكثت في البيت طوال هذا اليوم إلا من نصف ساعة قضيتها مع السر برسي في مكتبه عصرا وقد سألني عما إذا كنت أوافق على الالتحاق بهيئة أعوانه الشخصيين كسكرتيرة شرقية أو اي عمل يقرره لي فقلت إني راغبة في خدمته في أي عمل يختاره لي.
إرأف بشعب بغاة الشر قد قصدوا --- إثارة الشر فيه وهو ما قصدا
ولمن أقيمت في البيوت ---على كرامتها المناوح
ولآية ندبت من الليل --- الحمامات الصوادح
قوم الى دار البوار - مشوا - فمن غاد ورائح
طلبوا مساواة الحقوق --- فطوحت بهم الطوائح.
ترجمة عبد الكريم الناصري
تعليق: المؤرخ عبد الرزاق الحسني
جمع وتحقيق: بثينة الناصري
![]() |
مس بيل |
3 تشرين الأول 1920
كتبت إلى أبيها تقول أنها كانت خلال الإسبوع
شديدة الإهتمام بالشؤون الزراعية وأنها حضرت عرضا أقيم في مزرعة القطن الحكومية
حيث تجرى تجارب زراعة مختلف فصائل القطن وأن عددا من ملاكي بغداد قد حضروا معها
وأبدوا مثلها اهتماما كبيرا بتلك التجارب.
وتقول المس بيل أن هناك نوعا أمريكيا من
أنواع القطن يبدو إنه هو الذي سينجح وإن هناك مايحمل على الإعتقاد بأن القطن
العراقي لن يكون أقل شأنا مما تنتجه أية دولة أخرى في العالم.ثم تشير الى حفلة شاي أقيمت في دار اسرة العكيل هي اسرة عراقية معروفة ، نجدية الاصل، وقد دعيت إليها هي والكابتن كليتن. وتقول المس بيل أن هذه العائلة من أواسط شبه الجزيرة العربية وإن افرادها يعتبرون أنفسهم من رعايا ابن سعود، وإنهم تجار وأدلة للقوافل وإن واحدا منهم كان دليلها حين ذهبت الى حائل بنجد منذ سنين.
10 تشرين الأول 1920
كتبت إلى أبيها وأمها الرسالة التالية:
"إني لا أدري ماذا كنت صانعة لولا
رسائلكما الإسبوعية . إنها الحلقة الوحيدة
التي تصلني بالعالم الخارجي. أني لأحس احيانا بعزلة فظيعة.
كان من المنتظر أن يصل السر برسي(1) والليدي
كوكس أمس. ولكنهما بقيا يوما آخر في العمارة والكوت وكان تأخرهما هذا هبة من الله
بمقدار مايتعلق الأمر بي، إذ أنني كنت طريحة الفراش لبرد شديد ألمّ بي أمس وماخرجت
من البيت وأنا اليوم في حال أحسن، وقد أصح تماما غدا.
![]() |
ساسون حسقيل |
ثم ذهب يلقي بمقترحات مختلفة على سبيل جس النبض. مثال ذلك أن يكون رئيس الدولة أحد أبناء شريف مكة؟ أو أحد أعضاء اسرة سلطان مصرإن كان فيهم من يصلح للمنصب؟ أو أحد أعضاء أسرة سلطان تركيا؟ فقلت اني من جهتي واثقة بأن السر برسي لايهمه من يختاره العراقيون إلا أن يكون من الأسرة المالكة التركية فذلك غير ممكن في نظري. إنه يجب ان يكون أميرا عربيا. ثم إنهم سيوافقون على أي شخص يعتقدون إننا نسنده، ثم يدسون عليه الدسائس بلا انقطاع. إن هذا الخط من الحقل ليس بالسهل فلاحته. إن هذه التأملات حقيقة أن تلقي ضوءا على ماتقوله الصحف الإنكليزية التي يبدو منها إنه ما على السر برسي إلا أن يقول: هلم ... وإذا بحكومة عربية تثب الى المسرح وإذا – أثينة- أخرى تخرج من جبهة (زيوس) (3).
إن لك ان تقول إن شئت أن السر برسي سيلعب دور
زيوس بيد أن – أثينة- ستجد المسرح فيه عراقيل تافهة من قبيل مشكلة الشيعة (4)
والمشكلة العشائرية، والمسائل الأخرى التي تعثر بها حتى الآلهة.. بيد أنه إن لم
يكن زيوس فإنه طبيب جد ماهر، طبيب يثق به
المريض ثقة مطلقة. وهذه النقطة الأخيرة هي ذخيرتنا الكبرى ومن الواضح عندي
انه مهما كان السبيل الذي يختار المضي فيه فإن من واجبنا السير وراءه بكل ماعند كل
فرد منا من طاقة وقوة. بيد أن الحقيقة المستقرة وراء كل نقد موجه الينا – وهي التي
تجعل الجواب عليه صعبا جدا- اننا وعدنا القوم بمؤسسات ذاتية الحكم ثم لم نتخذ خطوة
نحو ذلك، بل وذهبنا نقيم شيئا مختلفا عنه كل الاختلاف. ولقد قالت احدى الصحف –
وبالحق – اننا وعدنا بإقامة حكومة عربية لها مستشارون بريطانيون ثم اقمنا حكومة
بريطانية ذات مستشارين عرب. ذلك قول عدل تماما.
أما من جهة المصاريف فإنك تعلم ان نفقات
معيشتي هنا لاتشمل ما أحصل عليهم من انكلترا من ملابس وكتب وما اشبه ذلك. إن سعر
كل شيء فظيع حقا. ولكن خير علاج لذلك الا يلتمس المرء الحصول على المزيد"
ولهذه الرسالة إضافة مؤرخة بيوم الثلاثاء المواق 12 تشرين الأول، تقول فيها أن السر برسي كوكس قد وصل أمس وأن دائرة المعتمد
السامي في اضطراب وفوضى ، ولا أحد يقوم مؤقتا بأعمال السكرتيرة الشرقية حتى ينجلي
الوضع وتنتظم شؤون الدائرة. وهذا ومن
المعلوم ان السر برسي كوكس عهد اليها بعد ذلك بالفعل بمنصب السكرتيرة
الشرقية له ، وتقول المس بيل أنها ستكتب
في الاسبوع المقبل في وصف الاحتفال بوصول السر برسي.
17 تشرين الأول 1920
كتبت:
![]() |
برسي كوكس |
![]() |
جميل صدقي الزهاوي |
وما أن انتهت التقديمات حتى تقدم جميل الزهاوي الشاعر البغدادي الشهير فقرأ
كلمة ترحيب (6) أجاب عنها السر برسي بالعربية قائلا: إنه جاء بأمر من حكومة صاحب
الجلالة البريطانية ليتشاور مع أهل العراق
بشأن إقامة حكومة عربية فيه تحت نظار (7) بريطانيا العظمى. وقد سأل الأهالي
التعاون معه على تحقيق ظروف مستقرة كي يتسنى له المضي في مهمته فورا. وكان
الحاضرون يقاطعون خطابه بكلمات التأييد والموافقة
وكانت الليدي كوكس والمستر فلبي والكابتن
تشسمان – السكرتير الخصوصي للسر برسي – قد خرجوا عندئذ من القطار، وتبادلنا جميعنا
التحايا الحارة.
ثم ذهبنا جميعا بالسيارات الى دار السر
برسي.. وبعد أن قدمت لنا الليدي كوكس الشاي، اختفت هي والكابتن تشسمان لرؤية
دارهما الجديدة الواقعة فوق الجسر وغير الجاهزة بعد للسكن بينما جلسنا انا والسر
برسي والمستر فلبي نتحدث وقد لاحظت من اللحظة الأولى ان كل شيء على مايرام. فقد قال
السر برسي انه ينوي إقامة وزارة عربية في الحال، كتدبير ضروري مؤقت دون ان ينتظر
بلوغ تهدئة كاملة للوضع في البلاد. وكانت خطته أن يدعو شخصا ما الى تأليف وزارة
وأن يعين هو مستشارين برريطانيين للوزراء، وقد اتفقنا جميعا على أن الصعوبة تستقر
في الوقوع على الشخص الملائم لمنصب الوزارة . وكانت فكرته الأولى ان السيد طالب
النقيب هو ذلك الشخص (8) ولكن المسألة كانت تقتضي النظر والأمل وقد قلت ان من
الخير في نظري أن يرى الناس هنا اولا ثم يكون رأيه وسنبذل غاية جهدنا في تحقيق
أيما شيء يقرره والمهم ان ينتهي الى قرار ما.
من المستحيل أن أعبر لك عن الراحة التي يشعر
بها المرء حين يعمل تحت إمرة شخص يثق به وبصحة حكمه ثقة تامة. إن السر برسي ليتقدم
الى مهمته الشاقة مشقة غير عادية وهو راغب رغبة ثابتة في العمل لصالح أهل البلاد.
(9)
وبعد ذلك تعشينا جميعا مع القائد العام. وقد
جلست الى جنب السر برسي، واستمتعت جدا بالعشاء بالرغم من اني كنت جالسة في ممر
تيار هواء شديد. هذا وقد نسيت ما إذا كنت
اخبرتك أم لم أخبرك بأني مصابة بالتهاب القصبات الهوائية. فإني كذلك وما
أرى سبيل الى العلاج، وعلى كل حال فتلك مسألة ثانوية.
وفي صباح اليوم التالي، ذهبت مبكرة الى
الدائرة فاستدعاني السر برسي فورا وذهبنا نتحدث بشأن هذه البرقيات وأنا أحاول اخفاء
ان ائتماني على الأمور الخطيرة تجربة جديدة علي كل الجدة. وما أن عدت الى
مكتبي حتى بدأت استلم الرسائل واستقبل الزوار وكل واحد منهم أشد غضبا من الذي قبله
وكل منهم يقول أن في المدينة ضجة بسبب حفلة الاستقبال وذلك ان الوجهاء اذين دعوا قد حشروا جميعا إلا عددا قليلا منهم –
في الأرض المتربة خارج المكان المسيج، وما سنحت لهم حتى فرصة مصالحة السر برسي.
قال لي شيخ متقدم في السن من شيوخ العشائر وكان مهتاجا حقا : لقد جئنا حبا وطاعة
ولكننا حين حاولنا الدنو من فخامته دُفِعنا واُبعِدنا عنه حتى اخوان النقيب عوملوا
مثل هذه المعاملة غير اللائقة.
ومن أجل ذلك قررت من فوري أن اخول نفسي
واجبات سكرتيرة شرقية إذ لم يكن ثمة في الدائرة من يعرف بغداد وقد دعوت المستر
فلبي لمساعدتي فحررنا معا مسودة دعوة لزيارة دار الاعتماد وجهناها الى جميع وجهاء
بغداد. ولم نستطع الظفر بالسر برسي إلا قبيل موعد الغداء، ولكني كنت حينئذ قد هيأت
قائمة بأسماء المدعوين – وهم أكثر من مائة- كما اني اعددت قائمة صغيرة بأسماء الذي
يحسن أن يقابلهم مقابلة خاصة وقد وافق على كل شيء وأطلق يدي.. فأرسلنا الدعوة في
مساء ذلك اليوم.
إني لا أزال أرتعد كلما فكرت فيما كان عسى أن
يحدث لو لم نعالج الموقف في الحال، إذ لم يكن ثمة إنسان واحد من ذوي السلطة يفكر
في الجانب العربي من الموضوع وفي كم كان من المهم أهمية قصوى ان يتصل السر برسي من
فوره بالمدينة.
![]() |
جون فيلبي |
وفي تلك الليلة تعشى المستر فلبي معي وجرى
بيننا حديث طويل مثمر.. وكان قد تناول الشاي معي
ايضا وقد دعوت ساسون أفندي حسقيل للإجتماع به وكان الإجتماع قيما جدا لأن ساسون هو واحد من أعقل
الناس هنا، ولقد استعرض الموقف كله بما عهد فيه من الحكمة والاعتدال.
وفي صباح اليوم التالي جرت حفلة الاستقبال
وكان نجاحها عظيما."
وهنا تصف المس بيل هذه الحفلة ، وكيف قسمت
المدعوين ثلاث فرق نظرا الى ضيق غرفة السر برسي وكيف انها دخلت مع إحدى هذه الفرق
ورأت المندوب السامي يشرح لأفرادها المتحلقين في الغرفة منهاجه ويسألهم رأيهم فيه
وكيف كان الجميع يخرجون راضين مسرورين.
ثم تقول أنها اتصلت بعد ذلك بالسيد عبد المجيد
الشاوي أمين العاصمة وكان يدعى يومئذ رئيس البلدية ، لمقابلة خاصة تمت عصر ذلك
اليوم. ثم في صباح اليوم التالي جاء دور ساسون أفندي وآخرين. ثم وجبة اخرى من
الوجهاء في يوم الجمعة. وكان السر برسي قد وصل يوم الاثنين الموافق للحادي عشر من
الشهر تشرين الأول.
ثم تقول الانسة بيل:
"وفي عصر يوم الخميس دعاني السر برسي
اليه لنتباحث في أمر اقتراح أشار به عليه ساسون أفندي في صدد تهدئة منطقة بعقوبة
ومفاده أن يسأل أعيان بغداد الذين يملكون أراض كبيرة هناك أن يرسلوا في طلب
مستأجري أراضيهم من أبناء العشائر ثم يوضحوا لهم نوايا السر برسي ويسألوهم بعد ذلك
عما يدعوهم الى القتال وقد رأى السر برسي في الحال أن هذه خطوة في الاتجاه
الصحيح لأن فيها دعوة للبغداديين الى المشاركة فيما يُعَد على كلٍ (لعبتهم) هم ..
وقد أخبرت السر برسي بالذين ينبغي دعوتهم وأخذت على عاتقي كتابة الرسائل.
ثم أملى علي (بيانا) للجمهور بالمعنى نفسه
وطلب إلي ان يترجم الى العربية فورا بالتشاور مع المستر فلبي.
وينبغي أن أعلمك بأن أخبارا مهمة كانت وصلتنا
في الصباح ومفادها اننا قد احتللنا طويريج وأن كربلاء أصبحت على استعداد
للإستسلام. وبناء على هذه الأخبار عقد السر برسي مجلس شورى مؤلفا من ايفلين هاول،
والمستر فلبي ومني وقد تقرر في هذا المجلس ان تبلغ الحكومة المؤقتة التي اقامها
الثوار في كربلاء بوجوب الاستسلام بلا قيد ولا شرط ووجوب أن يجيء أعضاؤها الى بغداد
بشرط الأمان لهم ، لرؤية السر برسي ولقد أحدثت أخبار الفرات انطباعا عميقا في
المدينة.(10)
وختاما لقصة لواء ديالى، أقول أن جميع
الملاكين قد رضوا باقتراح السر فلبي وارتاحوا له. وسيرسل السيد عبد الرحمن النقيب
ابنه صفاء الدين الذي جاءني صباح هذا الوم وأخبرني بكل ما سيفعله ثم في إثره جاء
فخري الجميل واطلعني على برقيات ارسلها الى مستأجري أراضيه. لقد حققنا إذن نجاحا
في هذا الأمر.
وفي مساء يوم الخميس ومن بعد أن اطلعنا السر برسي أنا والمستر فلبي على أسماء
اعضاء الوزارة التي ستؤلف، اجتمع – باقتراح مني – بسائر جماعتنا: الميجر مري
والميجر يتس والكابتن كلايتن ، وجرى بيننا حديث جد مرضي. وقد أفهمته أن هؤلاء
الرجال هم الذين سيعملون معه بكل قلوبهم، وهو ما احتاج الى طويل وقت لأجل ان يكتشف
ذلك. وفي ختام الجلسة طلب اليّ المستر فلبي ان يقدم اليه اقتراحا بتنظيم هيئة
سكرتارية . إن هذه المسألة الشائكة هي أدق المسائل لأنها ذات طابع شخصي والذي
نعتقده نحن ان من الضروري ان يكون لديه
هيئة سكرتارية كاملة في دار (الاقامة) (11)هيئة تشمل سكرتيرا مدنيا وسكرتيرا
سياسيا وسكرتيرا عسكريا وسكرتيرا خاصا.
أما أنا فقد التزمت الصمت أثناء النقاش.
وماكان لي أن أفعل غير ذلك وأنا أعلم علم اليقين أن السر برسي لا يلويه عن طريقه
شيء. لقد كانوا يعارضون إقامة حكومة عربية معارضة مريرة، ولكنه مضى في طرقه قاصجا.
إنه ليعلم أن ما ثم طريق آخر، وه إذ قرر ماينبغي أن يفعله لم يعد ثمة ما يعدل به
عنه. إن بساطته المباشرة ما ينقضي منها العجب. إني لأحسبني ما أزال في حلم، إذ أجد
كل ماكنت أرى واجبا أن يتم ، يتم بلا مناقشة. وأنا واثقة بأننا حين نجيء الى
المسألة الصعبة، مسألة معالجة أمر العشائر الثائرة في الفرات سيرمي السر برسي
جانبا كل خواطر الانتقام والعقاب السخيفة ولا يأخذ مأخذ الاعتبار سوى سلام البلاد
المقبل في ظل حكومة عربية.
والمسألة الأولى هي مسألة من هو الذي سيؤلف
الوزارة ؟ لقد اقترح معظم الذين قابلوا السر برسي اسم السيد عبد الرحمن النقيب
(12) . إنه سيقوم بمحاولة في هذا الاتجاه غدا وانا مقتنعة، لا بأن النقيب سيرفض
تأليفها فحسب بل وبأنه سيرفض التوصية بشخص آخر لهذا الغرض.
![]() |
عبد الرحمن النقيب |
والغرض من الوزارة المراد تأليفها لايزيد على أن تقوم بالإعداد للانتخابات العامة الأولى ثم إجرائها فحالما يتم ذلك تقوم الهيئة المنتخبة باختيار ممثليها الرسميين وتختفي الحكومة المؤقتة. ومن الواضح ان من غير الممكن – ونحو ثلث البلاد في ثورة علنية – إجراء انتخابات عامة . بيد أنه من الواضح أيضا – على مايرى السر برسي – أن من غير الممكن تأخير إقامة شكل من أشكال المؤسسات الأهلية.
إنهم جميعا يتوقعون منه أن يصنع شيئا ما في الحال، وهو إن لم يفعل أضعنا الفرصة الذهبية، وتزلزلت ثقة القوم بنا.
لقد مكثت في البيت طوال هذا اليوم إلا من نصف ساعة قضيتها مع السر برسي في مكتبه عصرا وقد سألني عما إذا كنت أوافق على الالتحاق بهيئة أعوانه الشخصيين كسكرتيرة شرقية أو اي عمل يقرره لي فقلت إني راغبة في خدمته في أي عمل يختاره لي.
لقد وجدته داخلا في حديث مع رئيس تحرير جريدة
– وطنية محلية وهو وطني متحمس. كان قد بدأ يأخذ عن السر برسي أحسن الانطباعات.
سألتزم جانب التعقل من جهة صحتي ، وقد أظل في
البيت غدا كي أشفى تماما.
+++
* نشرت الترجمة في (الأهالي) في عددين 635 في 24-1-1961 و636 في 25-1-1961
هوامش
(1) لم يكن برسي كوكس غريبا عن العراق فقد
كان في عام 1909 المندوب البريطاني في
الخليج العربي ثم صار مندوبا ساميا في العراق ثم تلاه ارنولد ولسن عام
1917. لكن بعد اندلاع ثورة العشرين وبعد ان صار
الوضع في غاية التوتر والخطورة، اضطرت الحكومة البريطانية الى اتباع مناورة
سياسية جديدة فأقالت ولسن وعينت كوكس ثانية. وكانت مهمته تستهدف تهدئة الثورة
بإعلان عزم بريطانيا على تأسيس دولة عراقية مستقلة وإجراء بعض التنازلات ولكن في نفس الوقت العمل
على شق الفئات الوطنية على بعضها وكذلك استمالة العناصر التي لا تكن العداء
للانكليز وذلك بإجراء مباحثات مستمرة معهم منها مشروع انتخاب المجلس التأسيسي. –
المحققة بثينة الناصري
(2) هو ساسون أفندي حسقيل وزير المالية في
وزارة السيد عبد الرحمن النقيب 0 اول وزارة تشكلت بعد الاحتلال- كان الانكليز
يعتمدون عليه جدا ويستشيرونه وقد حضر مع المس بيل وجعفر العسكري مؤتمر القاهرة
الشهير الذي رأسه تشرتشل – وزير المستعمرات يومئذ- والذي تقرر فيه تنصيب فيصل ملكا
على العراق، وذد ذكر – ابن خلدون – في (الاهالي) ان السيد عبد الرحمن كان يدعوه - ابو خضوري – المترجم.
(3) أثينة عند اليونان – ونظيرتها عند
الرومان منيرفا – هي ألهة الحكمة والعلوم والآداب والفنون ايضا آلهة الحرب – قيل أنها
خرجت من رأس ابيها كبير الالهة زيوس – وعند الرومان جوبتير- شاكية السلاح، تصور
عادة وفي احدى يديها رمح وفي الاخرى درع وعلى رأسها خوذة – المترجم
(4) الثورة العراقية وجدت بين أهل المذهبين
ثم جاءت الحركات الوطنية عقب ذلك تواصل هذه المهمة في توطيد الوحدة. – المترجم
(5) اي نواب تقصد؟ - المترجم
(6) ألقى الشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي
في حفلة استقبال السر برسي كوكس قصيدة ورد فيها هذه الأبيات الثلاث:
عد للعراق واصلح منا مافسدا --- وأثبت به العدل وامنح أهله الرغدا
الشعب فيه عليك اليوم معتمد --- فيما يكون كما قد كان معتمدا إرأف بشعب بغاة الشر قد قصدوا --- إثارة الشر فيه وهو ما قصدا
ثم حمل على الثورة وعلى القائمين بها حملة
شعواء وذمها ذما أنكره عليه الوطنيون ، ولاسيما وانه كان قد رثي أبطالها بقصيدة
محجلة قال فيها:
ماذا بضاحية الرميثة --- من غطارفة حجاجحولمن أقيمت في البيوت ---على كرامتها المناوح
ولآية ندبت من الليل --- الحمامات الصوادح
قوم الى دار البوار - مشوا - فمن غاد ورائح
طلبوا مساواة الحقوق --- فطوحت بهم الطوائح.
" والشعراء يتبعهم الغاوون ألم ترهم في
كل واد يهيمون وإنهم يقولون مالايفعلون" – الحسني 19-1-1972
(7) استعمل برسي كوكس الكلمة ذاتها أي
(نظارة) في خطابه – المترجم.
(8) كان اشغال منصب المقيم البريطاني في
الخليج العربي قد أكسب برسي كوكس خبرة واسعة بشؤون هذه المنطقة ومنها البصرة ،
والسيد طالب هو ابن نقيب البصرة – المترجم
(9) هنا كلام محذوف في الأصل – المترجم
(10) لما احتل الجيش البريطاني طويريج في 18
تشرين الاول 1920 واصل الجيش السير حتى حاصر مدينة كربلاء ، فرأت الحكومة المحلية
القائمة في كربلاء ان لامناص من ارسال وفد يمثل المدينة ليعرض طاعتها على مقر
القائد الذي احتل طويريج – وهي لا تبعد عن كربلاء بأكثر من عشرين كيلومترا – فلما وصل
هذا الوفد الى المقر المذكور صدر الامر اليه بمواصلة السفر الى بغداد وعرض الامر
على السر برسي كوكس لتلقي أمره . فلما وصل الوفد بين يدي كوكس ابلغ بالشروط الآتية:
1- تسليم سبعة عشر من أبرز الشخصيات في الحركة
خلال 24 ساعة لمحاكمتهم
2- تسلم 4000 بندقية ومائة رصاصة مع كل منها
خلال مدة ثلاثة ايام
3- دفع
الضرائب المتأخرة ودفع تعويضات عن الاضرار التي لحقت بالحكومة
4- الطاعة لأوامر الحكومة
5- تسليم اللاجئين من الفارين
6- إذا لم ينفذ الشرطان 1 و2 ولم يقدم سبب
معقول تفوض السلطة العسكرية باتخاذ التداير – الحسني
(11) أي دار الاعتماد – المترجم
(12) في حين تخبرنا بيل ان اختيار النقيب كان
باقتراح عدد من الشخصيات، ينسب كوكس – في المقدمة التي كتبها لرسائل بيل – قرار اختيار
عبد الرحمن النقيب لنفسه فيقول "وعند ذاك شعرت بأن صديقي (النقيب)الذي قدم لنا
عونا صادقا عند احتلالنا بغداد لأول مرة يستطيع الآن – إن شاء – أن يقدم خدمة وطنية
عظيمة – وقررت ان أسأله تأليف الوزارة" – المحققة بثينة الناصري
جهد رائع
ردحذفانه تاريخ عراقنا الحبيب الذي يجب ان نفتخر به
ردحذف