هذه المدونة خاصة بكتابات المفكر واللغوي والمترجم والأديب العراقي عبد الكريم الناصري

الأحد، 5 يونيو 2016

آرت بوكوالد: ماسعر الفضيحة؟

(لي كوان يو) في فترة الستينات
قبل أن تقرأ المقالة : في 1961 عرضت  CIA رشوة بمبلغ 3.3 مليون دولار على رئيس وزراء سنغافورة ومؤسسها لي كوان يو  لتغطية عملية استخباراتية فاشلة حاول فيها عنصر المخابرات الامريكية شراء معلومات من عناصر استخباراتية من سنغافورة وتم اكتشاف وفضح المحاولة.  الرشوة كانت لاستخدامه الشخصي او لصالح حزبه لكنه  رفض وطلب مبلغ 33 مليون دولار بشكل معونات اقتصادية لسنغافورة التي كانت في طور التشكل والبناء.
ولكنه لم يفضح القصة الا في 1965 فسارعت وزارة الخارجية الامريكية بتكذيب الخبر. وهنا قام لي كوان يو بدعوة  الصحفيين  الى مكتبه واخرج لهم ارشيفا ومستندات ومنها رسالة  اعتذار كتبها وزير الخارجية دين راسك مؤرخة في 15 نيسان 1961 خلال ادارة كندي ويعتذر فيها عن محاولة التجسس الفاشلة.


 
الكاتب : آرت بوكوالد
ترجمة : عبد الكريم الناصري

في واشنطن هذه الايام كثير كثير من الأوجه المحمرة غضبا وخجلا بسبب الحرج الذي نشأ في الاسبوع الماضي عن تصريح لرئيس وزراء سنغافورة لي كوان يو في مؤتمر صحفي له ، فقد قال ان مبلغ ثلاثة ملايين دولار كان قد عرض عليه – لطمطمة – فشل مخز اصاب وكالة المباحث المركزية الامريكية ، في قضية بعينها سنة 1961ـ قال المستر لي أنه رفض العرض غاضبا، لأنه هو وحزبه لايقبلان الرشوة وأضاف انه مع ذلك سينظر في الأمر إذا جعل المعروض 33 مليون دولار.
وقد انكرت وزارة الخارجية الامريكية ان يكون شيء من هذا القبيل قد وقع.
وعندئذ ابرز المستر لي رسالة اعتذار كان قد كتبها السيد وزير الخارجية دين راسك، فقالت وزارة الخارجية أن هناك سوء
تفاهم حول الانكار، فأيد قولها هذا ، رضي موظفوها ام لم يرضوا، حكاية المستر لي.

ومن الوجوه المحمرة التي رأيتها في الاسبوع الماضي ، وجه  السفير الانتشيلادي * في الولايات المتحدة – وكان يتعشى وحده في ال – سان سوسي – سألته لم يبدو – ليس على بعضه – فقال:
- لقد حدثت متاعب بيني وبين حكومتي بسبب سنغافورة ..
- كيف هذا ؟ إن سنغافورة ليست في امريكا الجنوبية .
- إنك لا تفهم ما أعني. منذ اربع سنوات اتى بلادي احد رجال وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية وحاول رشوة احد موظفينا. لقاء ان يزوده بمعلومات عن حكومتنا. وقد القت سلطاتنا القبض على الوكيل الامريكي وزجت به في السجن، وبعد بضعة اسابيع جاءني موظف كبير من قبل حكومتكم وسألني عن ثمن إخراجه من السجن. قلت : خمسة آلاف دولار. ولكن الوكالة عرضت 3500 دولار ، فأوصيت حكومتي بقبول العرض. وأنا الآن أواجه مشكلة . فقد نشرت الجرائد أن حكومة سنغافورة قد عرض عليها مبلغ ثلاثة ملايين دولار لقاء إخراج موظف استخباراتكم من السجن. وحكومتي غاضبة علي جدا لأني كنت رضيت بالثمن البخس.

قلت – اعتقد من حق حكومتك ان تغضب.
فقال – إن وزارة خارجيتكم قد خيبت ظني فيها كل الخيبة. لقد كانت بلادي ومازالت على خير مايرام من الصداقة مع الولايات المتحدة وكان ينبغي لذلك أن نعطى السعر الجاري لوكلاء الاستخبارات.
- لكن لم يكن أحد قد حدد لهم في ذلك الوقت سعرا.إن الذنب لم يكن ذنبك.
- ذلك ماقلته لحكومتي لكنهم قالوا إن هذا مثال لسياسة الولايات المتحدة في امريكا اللاتينية . إنها مستعدة لدفع ثلاثة ملايين دولار لطمطمة فضيحة في الشرق الاقصى ، وليست مستعدة لدفع مثل هذا المبلغ لطمطمة فضيحة في امريكا اللاتينية .. اي تحالف في سبيل التقدم هذا؟
- ألم يسعفك أحد بتعليل؟
- قالوا أن وكيل الاستخبارات المقبوض عليه في سنغافورة كان على صلة بفتاة ولذلك اضطروا لرفع الثمن.
- ولكن ثلاثة ملايين دولار! لابد من انها فتاة غير عادية الجمال.
- هذا بالضبط ما جال في خاطري. إن في بلادنا بعض النساء الجميلات ولكن مبلغ ثلاثة ملايين دولار شيء يدير الرأس.
- وماذا اعتزمتم ان تفعلوا في هذا الصدد؟
- إننا سنثير الموضوع في الاجتماع القادم لمنظمة الدول الامريكية ، وسنقول للولايات المتحدة أن في وسعها أن ترسل الى بلادنا أي عدد تريده من موظفي الاستخبارات المركزية لكن بشرط ان تدفع ثلاثة ملايين دولار عن كل من يقبض عليه منهم. اننا لايسعنا ان نهبط بأسعارنا الى مادون أسعار سنغافورة.
- هل أبلغت دين راسك بذلك؟
- لقد بعثت اليه برسالة ولكن سكرتيره اجاب بأن المستر راسك قرر  ان لايكتب بعد اليوم رسالة الى كائن من كان.
قلت – أظنها خطة حسنة.

وهنا نهض السفير يريد الانصراف وهو يقول :
- المسألة الان متوقفة على ماتقرره الولايات المتحدة. أتدري ان مائة موظف من موظفي الاستخبارات يمكن أن يصححوا ميزان المدفوعات في بلادنا لمدة سنتين ؟
+++++

* انتشيلادا - اسم دولة وهمية اخترعها الكاتب في امريكا اللاتينية وهي في الواقع  اسم وجبة طعام مكسيكية.

+ نشرت في صحيفة (الجمهورية) العراقية بتاريخ 25-12-1965

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق