بقلم: عبد الكريم الناصري*
البشريات
الانثروبولوجيا ، واللفظ مركب من كلمتين يونانيتين، تعني أولاهما: انسان، ومعنى
الثانية: بحث - هي علم الانسان - هي دراسة البشر من حيث بداياتهم، ومراحل تطورهم، أجناسهم، ومعتقداتهم، وتقاليدهم، وسائل أحوالهم الإجتمعية
والثقافية . والبشريات هي الترجمة البديهية لاسم هذا العلم ، وهي كقولنا "الطبيعيات"
اي علم الطبيعة. والاقتصاديات
أي علم الاقتصاد، لكن بالرغم من بداهة هذه الترجمة مازال كتابنا يقولون (بحث انثروبولوجي)
وفلان باحث انثروبولوجي، كما لو كان هاهنا اصطلاح معقد، قد عجزت العربية
على غناها عن العبارة عنه والنسبة الى البشريات: بشرياتي، ولكننا قلما نحتاج الى هذه النسبة : إننا نستطيع
التعبير عن (البشرياتي) أي عن شيء راجع الى علم البشر باللفظ المنسوب الى موضوع العلم ، أي (بالبشري) دون أن يلتبس المعنى على القارىء
او السامع، فنقول: فلان باحث بشري، وفلان قام بدراسات بشرية في العراق الخ. وذلك كقولنا:
فلان النحوي، وهذا بحث نحوي،
نسبة الى النحو، موضوع النحويات اي علم النحو. هذا وينبغي أن أضيف أن ليس من المعقول
أن اكون أول من خطرت بباله هذه الترجمة البديهية ، وإن
لم أكن وقعت عليها فيما قرأت حتى الآن
.
التبوئة
في متحف التاريخ الطبيعي العراقي شعبة تدعى (شعبة التحنيط) وهي الشعبة المسؤولة عن اعداد جلود الحيوانات، ومعالجتها، وحشوها، واعطائها اوضاعا طبيعية ، حتى ليحسبها الناظر حيوانات حية،( والشعبة المذكورة تعالج النباتات ايضا لمثل هذا الغرض فيما أعلم). والتحنيط هو ترجمة مصطلح فرنجي، صورته في الانكليزية (تاكسدرمي taxidermy )
وهي مركبة من كلمتين يونانيتن (تاكسس ، أي ترتيب، تنظيم، وديرما، أي جلد، التاكسدرمي هو فن اعداد جلود الحيوانات وحشوها تبنا او نحوه لتبدو كما كانت وهي حية. وأنا اقترح التبوئة ترجمة لهذا اللفظ ، مكان التحنيط، وقد صغت التبوئة من البو ، بوزن الجو، وهو تبعا للمعاجم، (أ) ولد الناقة (ب) جلد الحوار ، أي ولد الناقة، يحشى تبنا او غيره، فيقرب من أم الفصيل، أي ولد الناقة المفطوم، فتخدع به وتعطف عليه فتدر. ومنه المثل (فلان أخدع من البو).
ومن البو الفعل المقترح (بوّى) بتشديد الواو، ومعناه: أعد أو صنع بوا، وهو كقولك (قبّب) بتشديدا لباء: عمل قبة. و"مصدر" بوّى التبوية ، كالتلبية مصدر لبّى بتشديد الباء، ولكن لما كان لفظ التبوية لفظا غير خفيف على اللسان، عدلت عنه الى التبوئة، كما لو كان الفعل بوّا. فإن قلت: وكيف تهمز ماليس بمهموز؟ قلت: ولم لا؟ ألم تقل العرب: لبّى بالحج تلبية ولبّأ تلبئة؟ قال صاحب الصحاح:" ولبأ بالحج تلبئة ، وأصله مهموز. قال الفراء: ربما خرجت بهم فصاحتهم الى همز ماليس بمهموز. قالوا "لبّأ بالحج، وحلّأ السويق، ورثّأ الميت"
على أن في العربية فعلين ثلاثيين، أحدهما غير مهموز والآخر مهموز، ومن هذا قد استقت أفعال أخرى، وكلها لايمكن تفسير وجودها إلا على أ، لها علاقة استقاق بالبو- على أنها مشتقة في الواقع منه. وبعبارة أدق من الثنائي (ب و) أي من (بو) بتسكين الآخر، ومعناه البدائي – تبعا لمذهب لنا في الاشتقاق شامل، سنعرضه في مستقبل قريب**. ابن ، ثم ولد الناقة ، أي البو، ثم جلد البو يحشى تبنا او نحوه ليحاكي بوا حقيقيا، وايضا الأفعال التي أشرت اليها، والمهموزة منها تفيد التعادل والتساوي والتعويض من شىء بآخر مكافىء له، والفعل غير المهموز يفيد التقليد والمحاكاة.
والأخير هو بَوَى، بتخفيف الواو، يبوي، بيا، بوزن لوى يلوي ليّا، ومعناه: حاكى غيره في فعلته، وا"البوى" بفتح الباء: التقليد والمحاكاة.
والفعل الثلاثي الآخر هو : باء يبوء بواء، بفتح الباء وتخفيف الواو في الأخير.. يقال: باء فلان بفلان: قُتل به وصار دمه بدمه، ويقال: دم بَواءُ دم، أي مساو له.
وأباء القاتل بالقتيل: قتله به، وتباوأ الشيئان: تعادلا واستباء القاتل بالقتيل: قتله به.
ولنا عودة الى الثنائي (ب و).
إذن فكل واحد من الحيوانات المنطة المعروضة في متاحف التاريخ الطبيعي وغيرها هو: بو، والجمع (أبواء) كالجو وألأجواء، والتبوئة هي إعداد هذه الأبواء، وقد بوّى الرجل جلد الحيوان، وبوّأه، بتشديد الواو فيهما: صنع منه بوا.
وهناك لفظ آخر في العربية بمعنى البو. ففي المعاجم : المُصاحات، بضم الميم، جلود الفصلان تحشى فتطرح للناقة لتظنها ولدها.
______________
.
التبوئة
في متحف التاريخ الطبيعي العراقي شعبة تدعى (شعبة التحنيط) وهي الشعبة المسؤولة عن اعداد جلود الحيوانات، ومعالجتها، وحشوها، واعطائها اوضاعا طبيعية ، حتى ليحسبها الناظر حيوانات حية،( والشعبة المذكورة تعالج النباتات ايضا لمثل هذا الغرض فيما أعلم). والتحنيط هو ترجمة مصطلح فرنجي، صورته في الانكليزية (تاكسدرمي taxidermy )
وهي مركبة من كلمتين يونانيتن (تاكسس ، أي ترتيب، تنظيم، وديرما، أي جلد، التاكسدرمي هو فن اعداد جلود الحيوانات وحشوها تبنا او نحوه لتبدو كما كانت وهي حية. وأنا اقترح التبوئة ترجمة لهذا اللفظ ، مكان التحنيط، وقد صغت التبوئة من البو ، بوزن الجو، وهو تبعا للمعاجم، (أ) ولد الناقة (ب) جلد الحوار ، أي ولد الناقة، يحشى تبنا او غيره، فيقرب من أم الفصيل، أي ولد الناقة المفطوم، فتخدع به وتعطف عليه فتدر. ومنه المثل (فلان أخدع من البو).
ومن البو الفعل المقترح (بوّى) بتشديد الواو، ومعناه: أعد أو صنع بوا، وهو كقولك (قبّب) بتشديدا لباء: عمل قبة. و"مصدر" بوّى التبوية ، كالتلبية مصدر لبّى بتشديد الباء، ولكن لما كان لفظ التبوية لفظا غير خفيف على اللسان، عدلت عنه الى التبوئة، كما لو كان الفعل بوّا. فإن قلت: وكيف تهمز ماليس بمهموز؟ قلت: ولم لا؟ ألم تقل العرب: لبّى بالحج تلبية ولبّأ تلبئة؟ قال صاحب الصحاح:" ولبأ بالحج تلبئة ، وأصله مهموز. قال الفراء: ربما خرجت بهم فصاحتهم الى همز ماليس بمهموز. قالوا "لبّأ بالحج، وحلّأ السويق، ورثّأ الميت"
على أن في العربية فعلين ثلاثيين، أحدهما غير مهموز والآخر مهموز، ومن هذا قد استقت أفعال أخرى، وكلها لايمكن تفسير وجودها إلا على أ، لها علاقة استقاق بالبو- على أنها مشتقة في الواقع منه. وبعبارة أدق من الثنائي (ب و) أي من (بو) بتسكين الآخر، ومعناه البدائي – تبعا لمذهب لنا في الاشتقاق شامل، سنعرضه في مستقبل قريب**. ابن ، ثم ولد الناقة ، أي البو، ثم جلد البو يحشى تبنا او نحوه ليحاكي بوا حقيقيا، وايضا الأفعال التي أشرت اليها، والمهموزة منها تفيد التعادل والتساوي والتعويض من شىء بآخر مكافىء له، والفعل غير المهموز يفيد التقليد والمحاكاة.
والأخير هو بَوَى، بتخفيف الواو، يبوي، بيا، بوزن لوى يلوي ليّا، ومعناه: حاكى غيره في فعلته، وا"البوى" بفتح الباء: التقليد والمحاكاة.
والفعل الثلاثي الآخر هو : باء يبوء بواء، بفتح الباء وتخفيف الواو في الأخير.. يقال: باء فلان بفلان: قُتل به وصار دمه بدمه، ويقال: دم بَواءُ دم، أي مساو له.
وأباء القاتل بالقتيل: قتله به، وتباوأ الشيئان: تعادلا واستباء القاتل بالقتيل: قتله به.
ولنا عودة الى الثنائي (ب و).
إذن فكل واحد من الحيوانات المنطة المعروضة في متاحف التاريخ الطبيعي وغيرها هو: بو، والجمع (أبواء) كالجو وألأجواء، والتبوئة هي إعداد هذه الأبواء، وقد بوّى الرجل جلد الحيوان، وبوّأه، بتشديد الواو فيهما: صنع منه بوا.
وهناك لفظ آخر في العربية بمعنى البو. ففي المعاجم : المُصاحات، بضم الميم، جلود الفصلان تحشى فتطرح للناقة لتظنها ولدها.
______________
*صحيفة (الثورة) العراقية – العدد 822 – السنة الرابعة – 24 نيسان 1962
الموافق 19 ذي العقدة 1381
** هذه هي نظرية عبد الكريم الناصري: الأصل الثنائي للغة وعسى أن أوفق الى العثور عليها منشورة او مسودة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق