هذه المدونة خاصة بكتابات المفكر واللغوي والمترجم والأديب العراقي عبد الكريم الناصري

الجمعة، 3 يونيو 2016

البرجوازيون هم البرجيون

بقلم: عبد الكريم الناصري*

البرجوازيون والبروجوازية والطبقة البرجوازية هي تعريب  (بورجوازي bourgeoisie) الفرنسية ، ومعناها الحرفي الأصلي: أهل المدن. ومعناها المألوف في الفرنسية واللغات الأوربية الأخرى: الطبقة المتوسطة، ولاسيما التجار وأصحاب الحوانيت بالجملة (أهل السوق) وهناك الطبقة البورجوازية العليا (أوت بورجوازي) . والطبقة البورجوازية الدنيا (بتيت بورجوازي) وعند الماركسيين تقابل الطبقة البورجوازية ، طبقة العمال أي  البروليتاريا، وهم يعنون بالبورجوازية العليا كبار الرأسماليين من رجال الصناعة والأعمال.
وجميع الذين أشرنا إليهم من تجار، وأصحاب حوانيت، وصناعيين ، وعمال هم من أهل المدن.
واللفظ المبحوث فيه من بورجوا – بورجواز Bourgeois  ومعناه واحد أو واحدة من أهل المدن- فرد من أفراد الطبقة المتوسطة – مواطن . وهناك معان أخرى لا تعنينا هنا.

وهذه الألفاظ – بروجوا ، بورجواز ، بورجوازي – تافظ الجيم فيها كما يلفظها أهل الشام مشتقة من بورج bourg  بالجيم المصرية ومعناها (بلدة)
........
(11 سطرا مفقودون)
.............
ثم دلت على معنى البلدة المنشأة في ظل برج. وبهذا المعنى دخلت في أسامي مدن ألمانية كبيرة من أمثال : هامبرج، شتراسبرج، كما دخلت بورج الفرنسية في أمثال:شربورج، الميناء الفرنسي المعروف، وكما دخلت نظائر تيوتونية للكلمة الالمانية مثل برج في الانكليزية القديمة وبورو Borough  في الانكليزية الحديثة في اسماء جملة من  البلدان (جمع بلدة) من قبل بتربورو واللفظتان الانكليزيتان القديمة والحديثة ليستا مأخوذتين من الالمانية . وكذا يقال في (نظائر) هذه الكلمات الثلاث في اللغات التيوتونية الاخرى كالنرويجية والهولندية ، لأننا هنا بإزاء لفظة تيوتونية مشتركة. أي ترجع الى أم هذه اللغات، ولكن هذا لايعني ان اللغة التيوتونية لم (تستعرها) من لغة اخرى . على أن النظر الى هذه المسألة ، وفي مسألة الصلة المحتملة بين (برج) التيوتونية و(البرج) العربية ، ليس من غرض هذا المقال.

والسبب في تحول مدلول الكلمة من الحصن والبرج الى البلدة والمدينة واضح، وهو تزايد عدد الذين يقيمون بجوار الأبراج، احتماء بها. حتى يتحول الموضع الى بلدة ذات سوق ومرافق اخرى.  وهاك كثير من البلدان العربية المسبوقة بكلمة حصن او قلعة كمدينة حصن كيفا (التي ازدهرت في (....) في القرون الوسطى، (....) وقلعة عنديرة (....) وقلعة (...) عاصمة بني حماد، (...) في القرن الحادي عشر (....) قلعة صالح وقلعة سكر (...) في العراق ، لهذا (.....)
(....) ضد هذا التحول في (....) لفظة citadella  (...) الى لغات اوربية اخرى كالفرنسية  والانكليزية ومعاها قلعة في مدية، لاتفيد من حيث اشتقاقها سوى معنى البليدة اي البلدة الصغيرة .

++
ولقد اقترنت نشأة المدن الجديدة في اوربة في القرون الوسطى، بنمو التجارة وتزايد نفوذ التجار ابتداء من القرن الحادي عشر، وقد قيل في ذلك – على جهة التصور لكيفية نشوء هذه المدن، وارتباطها بالتجارة والتجار – ان هؤلاء كاوا في خلال اسفارهم الطويلة والشاقة يجدون في اكناف الابراج والقلاع خير امكنة يستقرون فيها ، طلبا للراحة أو انتظارا لذوبان نهر متجمد، أو جفاف طريق موحل، ثم اتخذوها مراكز لهم ، وتزايد عددهم فيها ، ووسعوها وانضم اليهم اهل الارياف ، هربا من الاقطاع وبحثا عن الاعمال. ويشار في هذا الصدد الى أن لفظ (برجينسيس butgensis  ) في اللاتينية الواطئة ومعناها بلدي أي واحد من أهل البلدة كانت تستعمل ايضا حتى بداية ا لقر الثاني عشر مرادفة لكلمة (ميركاتور meractor  ) أي: تاجر.
على أن من الواضح ان المدن، لا الأرياف ، هي مراكز التجار في كل زمان ومكان.
ومما تقدم يتضح أن لفظة (بورجوازي) الفرنسية ومعناها الطبقة المتوسطة قد تطورت من لفظة تشبه (البرج) العربية معنى ومبنى. فالبورجوازيون هم البرجيون.
وهذا ليس معناه اني اقترح استعمال (البرجيين) أو (البرجية) مكان البروجوازيين او البرجوازية، فما اردت فيما تقدم سوى اطلاع القاريء على بعض الحقائق اللغوية والتاريخية (...)
+++

المصدر - طرائف لغوية – جريدة الثورة  (العراقية)– السنة الرابعة - العدد 880 – الاحد 22 نيسان 1962 الموافق 17 ذي العقدة 1381
** أود أن أشير الى أن الصحيفة التي نشرت فيها هذه المقالة كانت بالغة القدم (1962) وقد تلفت منها أجزاء كتبتها في النص هكذا (...) وربما نملأ  الفراغات لو عثرنا على نسخة جيدة من الجريدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق