هذه المدونة خاصة بكتابات المفكر واللغوي والمترجم والأديب العراقي عبد الكريم الناصري

الثلاثاء، 28 يونيو 2016

صانعة الملوك: رسائل جرترود بيل

كان عبد الكريم الناصري أول من ترجم جزءا كبيرا من رسائل مس بيل الى والدها (في الأعوام 1919-1920-1921) ونشرها تباعا في صحيفة (الأهالي) العراقية في 1961 وقد جمعتها بعد وفاته ونشرتها في كتاب بعنوان (خَلق الملوك) - بفتح الخاء- صدرت عن مطبعة النهضة في عام 1972
وهذه أول الرسائل، وأنوي أن أعيد طبع الكتاب ألكترونيا ليكون جزء من تاريخ العراق الحديث بين أيدي الباحثين.
++
ترجمة عبد الكريم الناصري
كتبت  الآنسة بيل الى أبيها من بغداد في 7 كانون  الأول 1919 الرسالة التالية ، والنقاط الثلاث التي تتخلل الرسالة تمثل كلاما محذوفا والراجح إنه يتصل بأمور عائلية:
"إنك إذا غادرت انكلترا في منتصف شباط فستكون هنا نحو نهاية آذار ولكن لا تتأخر عن هذا الوقت لأن الجو في نهاية نيسان سيكون حارا جدا. ويجب أن أكاشفك بأني لن أعود معك عند عودتك. إني لا أستطيع حقا مغادرة هذه البلاد التي أصبحتُ مرتبطة بها هذا الارتباط في الوقت الذي تمر فيه بمثل هذه الأزمة في حظوظها وستمر بها ولا ريب طوال السنة القادمة وأنا واثقة بأنك ستفهم ما أعني حين تطلع على علاقاتي بالناس هنا. إني أفكر في الذهاب الى جورج وبلانش (1) مدة شهر أونحوه في أواسط الصيف. ولكننا سننظر في ذلك بعد.

إني قائمة بتأثيث داري بالتدريج سيكون جميلا جدا، وقد كتبت اليّ – ميبل- تقول إن أشيائي قد أرسلت في تشرين الأول وقد كنت طلبتها في  تموز. ثم أني اشتريت في الوقت نفسه من سوق بغداد – دولابا- أسود جميلا، وجد رخيص في الوقت نفسه ولايمكن تقييم معونة ماري (2) لي في عمل الستائر وفي تعهد شؤون البيت بوجه عام.
إنها أعظم مصدر للراحة لي – ولا أدري ماذا كنت صانعة من دونها – ثم طباخي الجديد. آه ياأبتاه لو رأيته يضفي طابعا ورونقا خاصا على حديقتي حين يتبختر فيها بعباءته. بيد أنه – على إجادته الطبخ وإحسانه صنع الكعك الممتاز – لا  يقرأ ولا يكتب ونظرا الى ضعف ذاكرته ترى حساب  المصرف اليومي معه محنة من المحن. إنه في العادة كما يلي (3)

بيل – مهدي .. الحساب .. لازم أروح للدائرة.
مهدي – خادمج خاتون .. اشتريت اليوم شيسموه
بيل – شيسموه؟

مهدي – تمّن .. بقرانين
بيل – اربع عانات .. وبعد؟

مهدي – والتالي اشتريت شسمه
بيل – شنو ؟ياللا!

مهدي – خبز .. ست عانات
بيل – زين وبعد؟

مهدي – وبعدين اشتريت شيسموه
بيل – يا إله السموات والأرض .. شنو؟

مهدي – شَكَر .. ربيتين
بيل – زين ربيتين

مهدي – وها .. خاتون .. تره آني نسيت البيض مال البارحة. ربية وحدة.
بيل – خوش .. استمر

مهدي – والتالي اشتريت لحم ربية وحدة.
بيل – وبعدين ؟

مهدي – والله واشتريت بعد .. اكول خاتون .. تريدين اطبخ مرك هالليلة ؟
بيل – مثل متريد.. كمل الحساب

مهدي – على راسي .. والتالي شسمه

وهكذا حتى تستولي علي – مابين نفاد الصبر والضحك – نوبة هستيرية.
...

بهذه المناسبة (4) هل لك في أن ترسل تقريري عن سوريا الى جورج تريفليان ، بصورة خاصة؟ أعتقد انه سيشوقه نظرا الى حديث جرى بيني وبينه في الصيف الماضي.
لقد نسيت تماما أن احدثك عن أهم حدث في  هذا الاسبوع وهو المولد النبوي. وفي يوم المولد تقيم دائرة الاوقاف احتفالا رسميا في جامع الأعظمية الواقع على مبعدة ثلاثة اميال من بغداد والموجود فيه ضريح الامام ابو حنيفة ، ويكثر تردد الناس عليه.

ويتألف الاحتفال من مأدبة دسمة وإقامة الصلوات وقد دعينا الى المأدبة لأول مرة ولقد ذهبت كما ذهب فرانك بالفور – وكافة موظفيه، وكان المطر قد هطل مدرارا في الليلة السابقة . إنها المطرة الاولى التي طال انتظارنا لها والتي أتت اخيرا – وكان الذهاب الى الأعظمية بالسيارة لذلك أمرا غير يسير، وكان موعد بدء الاحتفال في الساعة التاسعة صباحا.
على أننا وصلنا جميعا سالمين ووجدنا رجال الدين مجتمعين في دار إمام الجامع وقد جلسنا معهم ساعة أو نحوها نتبادل أطراف حديث جد ممتع ثم قُدم الينا غداء عربي ممتاز بكميات لاتصدق، وكان بعضنا ارتأى أن الساعة العاشرة والدقيقة العشرين ساعة غير مناسبة لتناول طعام الغداء ولكن التبكير بالغداء ليس عندي بذي بال مطلقا.


ثم عدنا جميعا الى مكاتبنا. إني لا أستطيع أن أصور لك كم كانت المناسبة ودية ولطيفة . لقد كانت موضوع ارتياحي ورضاي"

(1) هو المستر عندئذ واللورد بعدئذ جورج لويد. من موظفي الاستخبارات البريطانية في ذلك الوقت ثم المندوب السامي البريطاني في مصر بعد اللورد اللنبي – المترجم
(2) الذي نتذكره من كتيب قرأناه للمس بيل أن ماري هذه هي خادمة ارمينية كانت لديها – المترجم

(3) ليس من المتوقع أن يكون الحديث بغير اللغة الدارجة التي كانت المس بيل تحسنها- المترجم.
(4) المناسبة ليست هي الحديث السابق، بل هناك كلام محذوف في الأصل، وجورج تريفليان هو ابن اخت لها- المترجم.


* نشرت في الأهالي – عدد 620- في 5-1-1961

إقرأ الكتاب بشكل بي دي إف هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق