متابعة للموضوع المنشور هنا
بقلم: عبد الكريم الناصري
إن معنى هذه الجملة يتوقف على الظروف التي تقال فيها، كأن يحاول امرؤ من الناس ان يتشبه بغيره ، فيقول له ناصح أو مؤدب: كن كما انت. أي كنن على ماأنت عليه، ولا تحاول ان تكون مثل غيرك.
ومن أمثلة خرقه لهذا التطور اللغوي قوله ان المعجم يجمع على معاجيم. كالمرسل والمراسيل، والمسند والمسانيد، او على معجمات، لا على معاجم. وفي رد هذا يقال: إن الواقع الاستعمالي هو الأصل الذي ينبغي الرجوع إليه والأخذ به.
وقد أجمع المعاصرون على استعمال المعاجم جمعا للمعجم، وربما قالوا معجمات، فاستنادا لأي مبدأ من مبادىء اللغويات يُغَلَّطون؟ (بفتح اللام).
ثم ماباله يدعو الناس الى استعمال المعاجيم الى جنب المعجمات، بدلا من المعاجم، وهو هو نفسه لايستعمل المعاجيم أبداً؟!
إن مهمة اللغوي تسجيل الظواهر اللغوية ودراستها، وتفسيرها لا الاحتجاج عليها واستنكارها.وتفسير جمع المعجم على معاجم أنه قد أجرى – اجراء لاشعوريا – مجرى مصحف ومتحف.
ومنها قوله ان عبارة "تساءل فلان عن كذا" غلط صوابه "سائل عن كذا" بحسبان ان تساءل من افعال الاشتراك، اي التي يشترك فيها فاعلان او اكثر. وليس كذلك لأن هذا الفعل يستعمل اليوم ، كما استعمل قديما، اي على انه فعل اشتراك، مثل قولنا "تساءل الناس" ويستعمل ايضا على انه فعل لفاعل واحد ، قولنا "تساءل فلان عن كذا"
------------------------
بقلم: عبد الكريم الناصري
![]() |
د. مصطفى جواد |
تحدثت آنفا عن –
كما – بحسبانها مركبة من عنصرين مجاراة للنحويات التقليدية اي الموروثة (1) وإلا
فإني ارتاب في ان تكون هذه الكلمة –التي نشأت قبل ان تبرز العربية لغة متجددة
متميزة واضحة السمات، لأنها من كلمات اللغة السامية ، أم العربية
واخواتها(الساميات) – اقول أرتاب في ان تكون هذه
الكلمة شيئا غير حرف تشبيه بسيطة غير منقسمة تدخل عادة على الجمل كما تدخل
كاف التشبيه عادة على المفردات وانما تبدو لذهن النحوي التقليدي – الميال الى
الاسراف في التحليل والتعليل، الى البحث عن المتاعب لنفسه ولغيره – وكأنها ليست
سوى الكاف قد اقترنت – بما- المصدرية ، أو – ما- الموصولة ، أو (ما) الزائدة، تبعا
لهذا السياق او ذاك، لأنها تدخل على شتى انواع الجمل الفعلية والإسمية. والمراد
بكونها بسيطة ، لا تركيب فيها أنها تقوم على هذه الصفة ، في وعي المتكلم والسامع،
والكاتب و القارىء ، خلافا لأمثال: كمن، كالذي، كهذا، كتلك ، ليس لمثولها امام
الوعي اللغوي على هذه الصفة صلة ضرورية بكيفية نشوئها في اللغة السامية ، كأن تكون
تكونت من التحام كاف التشبيه، وهي قديمة مثلها، و"ما" زائد غير ذات
معنى. فإذا اصبحت هذه النظرة الى "كما" رجع تغليط الاستاذ المفضال
"غير ذي موضوع" أصلا. (2)
++
وقد قلت آنفا أن
النحاة القدماء يسرفون في التحليل والتعليل، ويبحثون عن المتاعب والمصاعب، فلأسق
مثالا واحدا يتعلق باللفظ المبحوث فيه ، وهو جملة "كن كما أنت".إن معنى هذه الجملة يتوقف على الظروف التي تقال فيها، كأن يحاول امرؤ من الناس ان يتشبه بغيره ، فيقول له ناصح أو مؤدب: كن كما انت. أي كنن على ماأنت عليه، ولا تحاول ان تكون مثل غيرك.
ولكن انظر اي
مشكلة خلق النحاة من هذه الجملة البسيطة ، قال في "مغنى اللبيب" وهو من
كتب القوم ، في كلامه على معاني الكاف، وهي عندهم هنا للاستعلاء:" وفي : كن
كما انت، ان المعنى: على ما أنت عليه، وللنحويين في هذا المثال أعاريب، احدها هذا،
وهو ان – ما- موصولة وانت متبدأ ، حذف خبره. والثاني انها موصولة ، وانت خبر، حذف
مبتدؤه، اي كالذي هو انت. وقد مُثِل بذلك بقوله
تعالى – اجعل لنا إلها كما لهم آلهة- اي كالذي هو لهم آلهة.والثالث إن "ما"
زائدة ملغاة، والكاف ايضا جارّة كما في قوله : وننصر مولانا ونعلم انه كما الناس
محروم عليه وحارم- وأنت : ضمير مرفوع
أُنيب عن المجرور، كما في قولهم: ما أنا كأنت. والمعنى : كن فيما يستقبل مماثلا
لنفسك فيما مضى. والرابع: إن
"ما" كافّة ،وانت مبتدأ حذف خبره. أي:عليه، أو كائن. وقد قيل في
"كما لهم آلهة" إن "ما" كافة. وزعم صاحب المستوفي أن الكاف لا تكف بما، ورد عليه بقوله – هنا بيت من
الشعر – وقوله – بيت آخر – وإنما يصح الاستدلال بهما، إذا لم يثبت أن – ما-
المصدرية توصل بالجملة الإسمية. الخامس: إن – ما-
كافة ايضا، وأنت: فاعل، والاصل : كما كنت، ثم حذف كان، فانفصل الضمير، وهذا بعيد,
بل الظاهر ان – ما- على هذا التقدير مصدرية"
انتهى!!!
أهذا هو علم نحو؟
ولكن على أنوار
هذا "العلم" يغلط الدكتور (مصطفى جواد) الفاضل الناس.
على أن هناك شيئا
هو أهم من كل ما تقدم.
وهو أن التعبير
من التعبيرات لايجوز الطعن في صحة استعماله
إذا كان شائعا أو كثيرا في الاستعمال، وإن خالف قاعدة من قواعد النحو أو الصرف، أو
خالف وجه استعمال في وقت مضى. فإن الطعن في صحته خرق لمبدأ التطور اللغوي. ومع أن
الدكتور مصطفى جواد يسلم بهذا المبدأ، في أمثال قوله في كتابه "إن اللغة
تتطور مع الانسان والمجتمع" وقوله إن "الاستعمال هو ذو السلطان القاهر
في اللغة" فإن كل تغليطاته للتعابير الشائعة او الكثيرة الاستعمال خروج عنه
وخرق له. وم الغريب ان العبارة الثانية
المنقولة آنفا عنه، وهو الإستعمال هو ذو السلطان القاهرة في اللغة ترد في سياق توهينه
للفظ – التمثيل- اي التمثيل المسرحي وغيره، واقتراحه لفظ – الحكاية – مكانه، مع ان
لفظ – التمثيل – قد رسخ في الاستعمال منذ اواخر القرن التاسع عشرأو قبل ذلك، ومع
أن الحكاية لا تفيد عن المعاصرين غير معنى القصة تُروى، لا القصة تُمثل، ولولا
ايثاره النقد السلبي، لكان استعمال بعض المولدين للحكاية بمعنى تقليد هيئات الاشخاص
وحركاتهم واشاراتهم واصواتهم تقليدا يراد به الإضحاك – كما تفيد النصوص التي
اوردها – خليقا أن يخطر بباله مطابقة المعنى المذكور للحكاية والمحاكاة لمعنى إسم
نوع من التمثيليات عرفه اليونان والرومان، أعني – مايم – كما يلفظ في الانكليزية،
و- ميم – كما يلفظ في الفرنسية أو كذا لمعنى لفظ – ممكري- الانكليزي.ومن أمثلة خرقه لهذا التطور اللغوي قوله ان المعجم يجمع على معاجيم. كالمرسل والمراسيل، والمسند والمسانيد، او على معجمات، لا على معاجم. وفي رد هذا يقال: إن الواقع الاستعمالي هو الأصل الذي ينبغي الرجوع إليه والأخذ به.
وقد أجمع المعاصرون على استعمال المعاجم جمعا للمعجم، وربما قالوا معجمات، فاستنادا لأي مبدأ من مبادىء اللغويات يُغَلَّطون؟ (بفتح اللام).
ثم ماباله يدعو الناس الى استعمال المعاجيم الى جنب المعجمات، بدلا من المعاجم، وهو هو نفسه لايستعمل المعاجيم أبداً؟!
إن مهمة اللغوي تسجيل الظواهر اللغوية ودراستها، وتفسيرها لا الاحتجاج عليها واستنكارها.وتفسير جمع المعجم على معاجم أنه قد أجرى – اجراء لاشعوريا – مجرى مصحف ومتحف.
ومن الأمثل الأخرى
قوله إن عبارة :" انتقد فلانا ونقده" من "الغلط الشائع" عند
كتاب العصر، وإن الصواب "انتقد عليه ونقد عليه" كما نقول : أخذ عليه
سيرته، إذ الاصل: انتقد عليه قوله أو رأيه.
وقوله "من
اللفظ الشائع" قول متناقض على مقام مبدأ التطور اللغوي أو الحد العلمي للصحة
والفصاحة. إذ كيف يكون التعبير من التعبيرات غلطا وهو شائع؟! إن مهمة اللغوي التفسير لا التغليط. وتفسير هذه الظاهرة
اللغوية ، وهي سقوط حرف الجر "على" من العبارة المذكورة – يسير جدا. وهو
الانتقال من قولنا : انتقدت على فلان رأيه -
الى قولنا : انتقدت فلانا – ليس سوى انتقال مجازي معروف وهو من قبيل قولنا:
قرأت سيبويه، وقرأت الشاعر الفلاني، اي شعره. وقوله تعالى "واسأل
القرية" أي أهل القرية . ثم جرى هذا المجاز بسبب شيوعه واستمراره مدة طويلة
جدا مجرى الحقيقة ، فأصبح قولنا – انتقدت فلانا، بل إنا لنقول اليوم ، انتقدت
فلانا على قوله – كقولنا : لمت فلانا على سلوكه، بدلا من انتقدت على فلان قوله.
ومن أمثلة خرقه
لمبدأ التطور، قوله : قل حسب ولا تقل فحسب. وللثاني لفظ رباعي قد تطور من لفظ
ثلاثي. وقد جرت به الاقلام منذ الف سنة على الأقل، بل إنا مانعلم أحدا قد استعمل "حسب"
حيث تستعمل "فحسب".
ومنها قوله إن
"اعتبر" لايتعدى الى مفعولين ولايجوز ان نقول مثلا "اعتبرت فلانا
عالما" ولكن هل "حسب" و"عد" و"رأى" قد ظهرت
اول ماظهرت وهي تتعدى الى مفعولين، بالاضافة الى تعديها الى مفعول واحد؟! أم أن
قانون التطور يعمل في زمان دون زمان؟ ومنها قوله ان عبارة "تساءل فلان عن كذا" غلط صوابه "سائل عن كذا" بحسبان ان تساءل من افعال الاشتراك، اي التي يشترك فيها فاعلان او اكثر. وليس كذلك لأن هذا الفعل يستعمل اليوم ، كما استعمل قديما، اي على انه فعل اشتراك، مثل قولنا "تساءل الناس" ويستعمل ايضا على انه فعل لفاعل واحد ، قولنا "تساءل فلان عن كذا"
على أن لنا ان
ننظر الى – تساءل- في قولنا "تساءل
فلان عن كذا" على أنه من أفعال الاشتراك ، لأن معنى تساءل هنا : ساءل نفسه، أي
تساءل هو ونفسه، وكأن هناك نفسين في داخله تتساءلان، ومن هنا مافي
"التساؤل" مثل هذه العبارة من معنى الحيرة عدم الجزم برأي. أما
"ساءل" فمعناه: ساءل آخر، واين هذا المعنى من معنى تساءل؟!
على إننا أطلنا في
استطرادنا هذا ، فلنقف عند هذا الحد.------------------------
(1) النحويات،
كقولنا الاجتماعيات والطبيعيات – هي علم النحو
او البحث في النحو، بقسميه (النحو) والصرف، واقول النحويات التقليدية او الموروثة ، ميزا لها عن
النحويات كما ينبغي ان تكون او كما يرجى
ان تكون.
(2) تغليط الدكتور
مصطفى جواد لمعروف الرصافي في قوله (كما
فعلت ذلك). انظر الجزء الثاني من البحثهنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق