هذه المدونة خاصة بكتابات المفكر واللغوي والمترجم والأديب العراقي عبد الكريم الناصري

الأحد، 5 يونيو 2016

آرت بكوالد: وبصقوا عليهما !

إقرأ نبذة عن الكاتب بكوالد هنا
للكاتب الامريكي الساخر آرت بكوالد
ترجمة : عبد الكريم الناصري

تمهيد للمترجم:
في يوم واحد هو يوم 17- 11- 1965 بصق الطلبة اليساريون في بلدين من بلدان أمريكا اللاتينية على شخصيتين كبيرتين ، هما السناتور روبرت ف. كندي، شقيق الرئيس الراحل جون ف. كندي ، ووزير العدل على عهده ، والمستر دين راسك ، وزير الخارجة، وقد يشوق القارىء معرفة شيء من تفاصيل الحادثتين:
حدث ذلك في بلدين متباعدين من بلدان أمريكا الجنوبية، هما اورغواي الواقعة على المحيط الأطلسي في جنوبي أمريكا الجنوبية ، وتشيلي، الواقعة على الساحل الجنوبي الغربي من تلك القارة . وقد كان المستر راسك في طريقه الى ريو دي جانيرو عاصمة البرازيل لحضور مؤتمر للدول الامريكية وقد عرج على مونتفيديو عاصمة اورغواي، وكان في حفلة أقيمت لوضع أكاليل الزهور على نصب لبطل من أبطال استقلال اورغواي، في ميدان من الميادين العامة، حين هجم عليه فتى في الثامنة عشرة من عمره وقال صائحا: "هذه من الشعب" ثم بصق في وجهه. وقد هجم عليه رجال الأمن فضربوه بالهراوات على رأسه ثم نقلوه الى المستشفى.
وزعم أحد مرافقي الوزير أن البصقة لم تصبه، ولكن أحد المخبرين الصحفيين أكد أنها أصابت الهدف. وقد نشرت جريدة نيويورك هيرالد تربيون ، التي أنقل عنها هذه المعلومات، في عددها الصادر في 18-11-1965 صورة كبيرة للمستر راسك وأمامه الشاب في اللحظة التي بصق فيها وليس بينهما سوى خطوة واحدة.

أما السناتور كندي فقد بصق عليه الطلبة اليساريون المنتسبون الى حركة في الجامعة تؤيد بكين، كما انهم قذفوه بالبيض والحجارة ، وكان ذلك حين شرع في إلقاء خطاب في جمناز الجامعة، أي قاعة التمارين الرياضية فيها. وكانت هذه الكتلة اليسارية قد قررت منعه من إلقاء خطابه، فلما شرع في الكلام جعلوا ينشدون النشيدين الوطنيين الكوبي والتشيلي، وصاحوا به : يا يانكي – اي ايها الامريكي – عد الى بلادك، وكان المستر كندي يقوم بجولة في امريكا اللاتينية.
ولم يتراجع السناتور، بل هتف امام مكبرة الصوت متحديا "اني اؤمن بحرية الكلام واريد ان اتكلم الليلة هنا."
ثم سألهم فيما إذا كان بعضهم يريد أن يتقدم اليه ليتحدث معه فردوا عليه صارخين بان يتقدم هو اليهم ، فلما اتجه نحوهم حاول بعضهم أن يركله، وراح آخرون يبصقون عليه ويرمونه بالبيض والحجارة بينما انطلق آخرون يحرقون العلم الامريكي في ركن من الجمناز.
والظاهر ان البيض والحجارة لم تصبه، ولكن البصاق أصاب جبينه وثيابه. على أنه ضبط أعصابه وسيطر على غضبه ، واتجه الى شرفة قريبة، حيث مد يده الى طالب من اعضاء الحركة يريد مصافحته، ولكن الطالب لط يده، فصرخ الطلبة  الديمقراطيون المسيحيون وغيرهم من الكتل المعادية للشيوعية "جبان" وهتفوا وصفقوا للمستر كندي عدة مرات. وإذ استمر الموقف المتوتر، غادر الشيخ كندي الجمناز.
***
والآن دونك تعليق بكوالد:
واشنطن- كان لابد أن يظهر هذا الشكل من أشكال الاحتجاج، عاجلا أو  آجلا. فقد ظهر قبله شكل القعود أرضا، ثم شكل الإنبطاح أو الاستلقاء أرضا، ثم شكل التعليم وإلقاء الدروس. وهاهو ذا خبر يصلنا من أمريكا اللاتينية مفاده أن الطلبة الذين يخوضونها هناك إنما يخوضونها بالبصاق. وآخر ضحيتين للبصاق هما السناتور روبرت كندي ووزير الخارجية دين راسك.
كان كل من الرجلين في بعثة من بعثات – حسن النوايا – الى امريكا اللاتينية ، ومع أنهم متفقان على سياستنا في أمريكا الجنوبية، فقد بصق الطلبة اليساريون على كليهما .

وقد سببت البصقات قلقا شديدا في وزارة الخارجية بدليل انها لم تستثر فيما يبدو أي رد فعل (كياسي)* أي دبلوماسي . ومن المعروف أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت قد حذرت المستر راسك والمستر كندي من أن أفواه الطلبة الشيوعيين أخذت تفرز اللعاب بغزارة سلفا، وهم يتطلعون الى زيارتيهما، ولكن احدا منهما لم يقرر اتخاذ الاحتياطات. وقد سألت وكالة الاستخبارات المركزة المستر راسك والمستر كندي بإلحاح أن يلبس كل منهما – عندما يخطبان في طلبة أمريكا الجنوبية – خوذة من خوذات رواد الفضاء، مثبتة فيها ماسحة بلل من النوع المستعمل في اللوح الزجاجي الأمامي في السيارات ولكنهما استهزءا بالفكرة.
وعندئذ دعاهما رجال الأمن بإلحاح الى  ان يكونا على مبعدة من الطلبة لا تقل عن خمسة عشر قدما، وهي مسافة عدوها مأمون، كما أن من شأنها أن تدع للريح مجالا لحرف البصقات عن أهدافها، ولكن المستر كندي والمستر دين راسك رفضا الاقتراح رفضا باتا.

قال المستر كندي:
- إن المرء لا يستطيع أن يفهم الوضع في امريكا اللاتينية ابدا إن هو تباعد عن الطلبة وترفع عنهم.

وقال المستر راسك:
- إن بضع الطلبة – صورة مبصوقة **– من كاسترو، بيد أن هناك كثيرا من الطلبة الذين هم في جانبنا.

وقبل أن يغادر المستر كندي بلاده الى امريكا الجنوبية أجمل له نائب رئيس الجمهورية السابق نكسن حقائق الوضع، وكان المستر نكسن أول من استهدف لهذا الشكل من اشكال مقاطعة الخطباء. قال:
- أول الذي يجب ان تحذرهم هم الطلبة الذين يعلكون العلك.

ونصح المستر كندي بأن يلبس معطف مطر وكالوشا – وهو حذاء من المطاط يحتذى فوق الحذاء العادي لوقايته من  البلل والوحل – وأن يحمل على الدوام منديلا نظيفا. كما  انه قال للمستر كندي ناصحا:
- أكثر من الحركة من جانب الى جانب، ونطنط بسرعة صاعدا نازلا، لئلا تكون هدفا ثابتا.

فإما أن يكون المستر كندي قد تجاهل نصيحة المستر نكسن وإما أن يكون الطلبة قد تدربوا مقدما لمجابهة مثل هذا الإسلوب من أساليب الدفاع.  فقد اعترف المستر كندي بعد ذلك قائلا:
- كان علي ان انطنط صاعدا نازلا، في الوقت الذي انتقل فيه من جانب الى جانب.

لم يكن  الموضوع  داخلا في جدول أعمال مؤتمر الدول الامريكية ولكن الولايات المتحدة أثارته في مؤتمر ريو دي جانيرو.
وقد كان في مأمولها أن تضيف الى ميثاق المنظمة تعديلا مفاده أن كل من يبصق على كياسي – اي دبلوماسي – أو سناتور امريكي ، يكون عرضة لتغريمه خمسين سنتا أو لإسقاط حكومته، أو لكلتا العقوبتين.
ولكن ممثلي أمريكا اللاتينية رفضوا التعديل. قال أحد معارضيه:

- إننا نجد مشقة غير قليلة في منع الناس من البصق على الباصات وعلى أرصفة الراجلين ، فأما أن نطلب إليهم الكف عن البصق على السياسيين والكياسيين  فأمر لا سبيل الى النظر فيه.
فقال المستر راسك:
- إذن ماذا ترى أن نصنع؟
- ما كان ومازال يصنعه السياسيون في  أمريكا اللاتينية منذ سنين: الرد بالمثل: بصاقا ببصاق.

 ------------
إضافة : وجدت هذه اللقطات على الانترنيت من زيارة دين راسك الى اورغواي اثناء وضع الزهور في ميدان عام واقتياد رجال الأمن للطالب الباصق. شاهد هنا.
* كياسي – هو الصيغة  التي صاغها عبد الكريم الناصري في مقالة سوف نعرضها لاحقا لتعريب كلمة دبلوماسي ، وقد دأب على أن يستخدم هذه الصيغة في مقالاته اللاحقة- بثينة
** ترجمة : spit image  للكناية عن التشابه الكبير بين شخصين مثلا- بثينة

هناك تعليقان (2):

  1. ولكن منتظر الزيدي كان اكثر تطورًا عندما رمى بوش الابن بالحذاء وحاول المالكي ان يصده وفشل في ذلك

    ردحذف
    الردود
    1. ولكن تصدق أنا ايضا تذكرت منتظر الزيدي حين رمى بوش بالحذاء قائلا "هذه من الشعب العراقي) والطالب في اوروغواي قال نفس الشيء (هذه من الشعب). لكن تعرف أن البصقة في الثقافة الامريكية هي ايضا اهانة ونراها كثيرا في افلامهم، ولكن عند حذاء الزيدي ، ظلت الصحافة الامريكية تناقش إذا كانت هذه اهانة ام لا.

      حذف